قصة الآمر بأحكام الله وحبيبته البدوية..؟؟

لهوه واستهتاره أوديا بحياته الآمر بأحكام الله وحبيبته البدوية
________________________________________

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لهوه واستهتاره أوديا بحياته
قصة الآمر بأحكام الله وحبيبته البدوية

تولى الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله أمور الخلافة وهو طفل في السادسة من عمره عام 465 هـ / 1102 م، وقد ولاه أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه وزير أبيه وجده من قبل، والذي كان مستأثرا بسلطان الدولة، وهكذا نشأ الخليفة في كنف وزير طاغية.

وكما ينشأ العديد من الأمراء الذين ليس لهم من الملك غير مظاهره، كان "الآمر" محجوبا في قصره ومغمورا بأنواع الملاهي، ولكنه كان طموحا ينزع إلى السلطان والبطش، فلما بلغ أشده تربص لأمير الجيوش واستطاع أن يدبر أمر مصرعه، وتولى مكانه المأمون البطائحي الذي سار على نهج سلفه، فلقي نفس مصيره.

يقول محمد عبد الله عنان في كتابه "مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية" أن الآمر استأثر بكل سلطة وأطلق العنان لأهوائه وبذخه.. وفى سنة 420 أمر بتجديد قصر القرافة التي بنته جدته تغريد وأقام تحت ذلك القصر مصطبة لشيوخ الصوفية ، وكان مغرما بمشاهدة شيوخ الصوفية وهم يرقصون أمامه ، وقد شجع التصوف الشيعى وجعله رافدا للتشيع .

كان الآمر مرحا لكنه مضطرب الأهواء، شغوفا باللهو والطرب، وكان يهيم بالجواري والجميلات ولا يطيق العيش بدون حب وهوى، لكنه كان شغوفا بشكل خاص بفتيات البادية، فكان يرسل إليهن رسله وعيونه يبحثون عن الجميلات الحسناوات في البادية، لكنه سرعان ما يسأم المرأة الأعرابية البدوية إذا تعلقت به ويهجرها إلى بدوية أعرابية أخرى لا تزال تحتفظ بخشونتها وغلظتها.

وذات يوم أخبره أحد الرسل أنه عثر على عربية مثال للجمال وآية في الحسن والرشاقة، تقول الشعر وتهوى الأدب، شديدة الذكاء والسحر.. عندما سمع الخليفة بأمر فتاة البادية قرر أن يراها بنفسه قبل أن يتخذ أمرا بشأنها، فارتدى زي الأعراب، وغادر قصره واتجه إلى الصعيد، وفي الطريق ضاعت منه أمواله فاضطر للاعتماد على نفسه واحتمال الضائقة التي حلت به ، واستطاع أن يتصل بأهلها دون أن يعرفوه، وظل يحتال إلى أن وصل إليها ورآها. وما أن وقعت عيناه على محاسنها حتى خفق قلبه وحدثها فلم تلق إليه بالا، فأسرع بالعودة إلى القاهرة، وأرسل لخطبتها ففرح أهل الفتاة وحملت إلى القصر وصارت زوجة الخليفة.

سكنت "العالية" إلى حياة القصر حينا لكنها أفاقت من دهشتها الأولى وبدأت تشعر بثقل الحياة الناعمة، وبدت لها جدران القصر كأنها سجن كبير فأخذت تحن إلى فضاء الصحراء وهوائها النقي.

بدأ الآمر يصحب حبيبته إلى قصر القرافة لتشاركه بهجته برقص شيوخ التصوف أمامه ، ومع ذلك ظلت نظرتها حزينة ساهمة ، فلما رأى الخليفة ما أصاب حبيبته من الاكتئاب والوحشة، أمر أن يقام لها على النيل في جزيرة الفسطاط "الروضة" متنزها عظيما، وسمي بالهودج. لكن "العالية" كان قلبها يخفق منذ أيام البادية بهوى ابن عمها "ابن مياح" الذي تربت معه منذ الطفولة، وفي أحد الأيام أرسلت إليه هذه الأبيات:

يا ابن مياح إليك المشتكي مالك من بعدكم قد ملكا
كنت في حبي مطاعا آمرا نائلا ما شئت منك مدركا
فأنا الآن بقصر مرصد لا أرى إلا حبيبا ممسكا
كم تثنينا بأغصان اللوا حيث لا نخشى علينا دركا
وتلاعبنا برملات الحمى حيثما شاء طليق سلكا

فرد عليها حبيبها الأعرابي:

بنت عمى والتي غذيتها بالهوى حتى علا واحتبكا
بحت بالشكوى وعندي ضعفها لو غدا ينفع منا المشتكي
مالك الأمر إليه المشتكي مالك وهو الذي قد ملكا

عرف الخليفة سر هذه المراسلة وقرأ أبيات ابن مياح فقال لو أنه لم يسيء إلى في البيت الرابع، لرد الجارية إلى حبه وزوجها منه.

وقد أثارت قصة العالية وابن عمها، عطف أحد الشعراء يدعى طراد ابن مهلهل يقول فيها للخليفة:

ألا بلغوا الآمر المصطفى مقال طراد ونعم المقال
قطعت الأليفين عن ألفة بها سمر الحي بين الرجال
كذا كان آباؤك الأكرمون سألت فقل لي جواب السؤال

غضب الآمر وقال جواب السائل قطع لسانه على فضوله، وبعث في طلب الشاعر الذي فر واختفى من الخوف.. ظل الحاكم بعد ذلك لسنوات ينعم بجوار حبيبته ويتنزه معها إلى متنزه "الهودج".

لكن الخليفة الشاب كان يثير سخط فريق من الزعماء ورجال الدولة بسبب تمكينه للنصارى من مناصب عليا، وبسبب لهوه واستهتاره بالرسوم والتقاليد، وذات يوم عام 524 هـ / 1130 م ركب من القصر كعادته إلى الهودج، وثب عليه قوم أثخنوه بخناجرهم، فحمل جريحا إلى قصر اللؤلؤة، وما لبث أن توفي ولم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره.

وكان الآمر بأحكام الله شاعرا له قصائد قوية منها قوله:

دع اللوم عني لست مني بموثق فلابد لي من صدمة المتحقق
وأسقي جيادي من فرات ودجلة وأجمع شمل الدين بعد التفرق ..

تحيات
ماجد البلوي