والعبد كلما كان بالصلاة أشغل وأولع .. وإليها أنشط وأسرع ..
كانت رحمة الله أقرب إليه .. وفضل الله أوسع عليه ..
وانظر إلى تلك المرأة الصالحة .. مريم ابنت عمران ..
التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : ( لم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون , ومريم بنت عمران ) ..
كانت مصلية عابدة في محرابها .. فكان جزاؤها أن جعلها الله وابنها آية للعالمين .. وأخرج منها نبياً وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ .. فلما بشرت بذلك أمرت بشكر الله على نعمه .. فزادت في التعبد والصلاة ..
قال الله : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } ..
* * * * * * * * *
والصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ..
فلا تكاد تجد أحداً حريصاً على عبادته .. مقبلاً على صلاته .. إلا وجدته قريباً من الخيرات .. بعيداً عن المنكرات ..
قال الله : { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا *وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا لْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } ..
ألا ترى أن شعيباً عليه السلام .. لما أمر قومه بالإيمان .. والعدل في الكيل والميزان .. علموا أنه لم يمنعه من المنكرات إلا الصلاة ..فـ ..
{ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد } ..
* * * * * * * *
ومن عظمة الصلاة .. وما فيها من ركوع وسجود ..أنها بها تنكشف الكربة العظمى عن جميع الخلق يوم القيامة .. فإذا اجتمع الأولون والآخرون .. أبيضهم وأسودهم .. كبيرهم وصغيرهم .. عربيهم وأعجميهم ..
وطال الانتظار .. وزاغت الأبصار ..
وتصبب منهم العرق .. واشتد الخوف والفرق ..
كان انكشاف الهم .. وزوال الكرب والغم .. بسجدة واحدة تحت العرش ..
في الصحيحين والمسند وغيرهما ..
أن الله يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد .. يُسمعهم الداعي .. وينفذهم البصر .. وتدنو الشمس .. فيبلغ الناسَ من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ..
فإذا اشتد عليهم ذلك .. ورجوا أن يفصل الله بينهم القضاء .. قال بعضهم لبعض :
ألا ترون ما أنتم فيه .. وما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم عز وجل ..
فيقول بعض الناس : أبوكم آدم .. فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر .. خلقك الله بيده .. ونفخ فيك من روحه .. وأمر الملائكة فسجدوا لك .. فاشفع لنا إلى ربك .. ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟
فيقول آدم : إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله .. ولن يغضب بعده مثله .. وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي .. نفسي .. نفسي .. اذهبوا إلى غيري .. اذهبوا إلى نوح ..
فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح .. أنت أبو الرسل إلى أهل الأرض .. وسماك الله عبداً شكوراً .. فاشفع لنا إلى ربك .. ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول نوح : إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله .. ولن يغضب بعده مثله .. وإنه كانت لي دعوة على قومي : نفسي .. نفسي .. نفسي .. نفسي .. اذهبوا إلى غيري .. اذهبوا إلى إبراهيم ..
فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم .. أنت نبي الله .. وخليله من أهل الأرض .. فاشفع لنا إلى ربك .. ألا ترى ما نحن فيه .. ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول إبراهيم : إن ربي قد غضب اليوم غضباً .. لم يغضب قبله مثله .. ولن يغضب بعده مثله .. فذكر كذباته .. نفسي .. نفسي .. نفسي ..اذهبوا إلى موسى ..
فيأتون موسى فيقولون : يا موسى .. أنت رسول الله .. اصطفاك برسالاته .. وبتكليمه على الناس .. اشفع لنا إلى ربك .. ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ ..
فيقول لهم موسى : إن ربي غضب اليوم غضباً .. لم يغضب قبله مثله .. ولن يغضب بعده مثله ..
وإني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها .. نفسي نفسي .. نفسي نفسي .. اذهبوا إلى غيري .. اذهبوا إلى عيسى ..
فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت رسول الله .. وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ..
وكلمت الناس في المهد .. فاشفع لنا إلى ربك .. ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول لهم عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضباً .. لم يغضب قبله مثله .. ولن يغضب بعده مثله .. ولم يذكر ذنباً ..
اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد ..
قال صلى الله عليه وسلم : فيأتوني فيقولون : يا محمد .. أنت رسول الله .. وخاتم النبيين .. غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر .. فاشفع لنا إلى ربك .. ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فأقوم فأقف تحت العرش .. فأقع ساجداً لربي عز وجل .. ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده .. وحسن الثناء عليه .. ما لم يفتحه على أحد قبلي .. فيقال :
يا محمد ارفع رأسك .. وسل تعط .. واشفع تشفع ..
فأقول : يا رب أمتي .. أمتي .. يا رب أمتي .. أمتي .. يا رب أمتي .. أمتي ..
فيقول : يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ..
وهم شركاء الناس فيما سواه من أبواب ..
ثم يفصل الله القضاء بين الناس ..
* * * * * * * *
وهذه الشفاعة العظمى .. والنجاة الكبرى .. لا تكون إلا للمصلين أما غير المصلين .. فلا ولا كرامة ..
قال تعالى : { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً * ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً * لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } ..
ما هو العهد ؟ قال صلى الله عليه وسلم : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ..رواه أحمد وغيره ..
بل كيف يرجو تارك الصلاة .. نيل الشفاعة يوم الأهوال والويلات ..
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه لا يعرف أمته من بين الأمم يوم القيامة إلا بآثار الوضوء ..
كما روى مسلم .. أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً : وددت أنا قد رأينا إخواننا .. قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟
قال : أنتم أصحابي .. وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ..
فقالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟
فقال : أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة ( أي فيها بياض ونور في الوجه والأطراف ) .. بين ظهري خيل دُهْم بُهْم ( أي سودٌ وحمرٌ ) ..
ألا يعرف خيله ؟
قالوا : بلى يا رسول الله ..
قال : فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء ..ليس أحد كذلك غيرهم.
المفضلات