تأديب النفس وتزكيتها




من تعريفات النفس: أنها مَجْمَع الشهوات داخل الإنسان، لذلك فمن طبيعتها أنها تطمح دوماً لتحقيق ما تهوى وترغب، وتريد أن يكون لها حظ ونصيب في كل عمل يقوم به الإنسان دون النظر إلى عواقب ذلك، كالطفل الذي يقوم بالضغط والإلحاح على أبويه للحصول على شيء قد يكون فيه ضرره.. والنفس تهوى وتميل إلى تحصيل الشهوات، هذه الشهوات تنقسم إلى قسمين:
الشهوة الجلية: هي اللذة الناتجة عن الطعام والشراب.. أما الشهوة الخفية: فهي تلك اللذة الناتجة عن مدح الناس وثنائهم، وكذلك الشعور بالعلو والتمييز على الآخرين، وارتفاع المنزلة عندهم، والتقدم عليهم [1].
إن أول قوة تظهر في الإنسان وأول ما يتكون هي القوة التي يشتاق بها إلى الغذاء الذي هو سبب كونه حياً فيتحرك بالطبع إلى اللبن يلتمسه من الثدي الذي هو معدنه من غير تعليم ولا توقيف أو يحدث له مع ذلك قوة على التماسه بالصوت الذي هو مادته ودليله الذي يدل به على اللذة والأذى. ثم تتزايد فيه هذه القوة ويتشوق بها أبداً إلى الازدياد والتصرف بها في أنواع الشهوات. ثم تحدث فيه قوة على التحرك نحوها بالآلات التي تخلق له الشوق إلى الأفعال التي تحصل له.
ثم يحدث له من الحواس قوة على تخيل الأمور ويرتسم في قوته الخيالية مثالات فيتشوق إليها ثم تظهر فيه قوة الغضب التي يشتاق بها إلى دفع ما يؤذيه، ومقاومة ما يمنعه من منافعه. فإن أطاق بنفسه أن ينتقم من مؤذياته انتقم منها وإلا التمس معونة غيره وانتصر بوالديه بالتصويت والبكاء. ثم يحدث له الشوق إلى تمييز الأفعال الإنسانية خاصة أولاً بأول حتى يصير إلى كماله في هذا التمييز فيسمى حينئذ عاقلا. ويؤاخذ باشتهائه للمآكل والمشارب والملابس الفاخرة ويزين عند هذا خلق النفس والترفع عن الحرص في المآكل خاصة وفي اللذات عامة. ويجب إليه إيثار غيره على نفسه بالغذاء والاقتصار على الشيء المعتدل والاقتصاد في التماسه[2].
يؤمن المسلم بأن سعادته في كلتا حياتيه: الأولى، والثانية، موقوفة على تأديب نفسه، وتطيبها، وتزكيتها، وتطهيرها، كما أنَّ شقاءها منوط بفسادها، وتدسيتها وخبثها، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]. كما يؤمن المسلم بأن ما تطهرُ عليه النفس وتزكو هو حَسَنة الإيمان، والعمل الصالح، وأن ما تتدسى به وتخبث وتفسد هو سيئة الكفر والمعاصي، من أجل هذا يعيش المسلم عاملاً دائماً تأديب نفسه وتزكيتها وتطهيرها، إذ هي أولى من يُؤدب، فيأخذها بالآداب المزكيِّة لها والمطهرة لأدرانها، كما يجنبها كل ما يُفسدها من سيئ المعتقدات، وفاسد الأقوال والأفعال، يُجاهدها ليل نهار، ويحاسبها في كل ساعةٍ، يحملها على فعل الخيرات، ويدفعها إلى الطاعات دفعاً، ويصرفها عن الشرِّ صرفاً ويردها ردَّاً، ويتبعُ في إصلاحها وتأديبها لتطهر وتزكو[3].


[1] الهلالي، مجدي، التوازن التربوي، القاهرة، دار السراج، ط1، 1430هـ/ 2009 م، 56.
[2] يُنظر، ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق،1، 31.
[3] الجزائري، أبو بكر جابر، منهاج المسلم،91 وما بعدها.