الشتاء والثلوج يحتل زاويةً حميمة في ذاكرتنا..؟؟

هو أيام المدرسة وصوت فيروز ....الشوارع المبتلة التي تلمع بوميضٌ ساحر.... وبرك الماء المتجمع تحت الشجرة الكبيرة.... تنتظر أقداماً صغيرة تقفز فيها وتطرطش وتضحك بصخبٍ طفولي.... وحين تكفهرّ السماء ويهجم الصقيع نعلم بأن الزائر الأبيض في الطريق...

بردٌ مُطبقٌ يجعلنا نهرول إلى بيوتنا..... نمرُّ على المخبز المزدحم لكي نبتاع خبزنا... ومحطات البنزين تعّجُّ بالجالونات التي تصطف ورائحة الكاز تفوح وتعشقها ملابسنا....

تجتمع العائلة ليلاً ويجلس الجميع قرب التلفاز في انتظار البيان الهام .... يطل مذيع التلفزيون ببذلته وشعره المهندم ويعلن عن قدوم عاصفةٍ ثلجيةٍ ستستمر لعدة أيام......فوضى عارمة تعمّ البيت.... الأطفال يتقافزون فرحاً والكبار يخفون حماسهم بوقارٍ مزّيف.....

الوالد يغلق الباب بالمفتاح ويطمئن على كل أفراد رعيته...
والأم تضع الصغار في اسرّتهم ويأوي الجميع للنوم....
يصحو الجميع على هدوء غريب.... السكون يعلو فوق كل الاصوات.... والابيض يهزمُ كل الالوان....

البيت كان مضيئاً بشكل غريب... وكأن نوراً خفياً كان يملؤه... ينهض الصغار مسرعين يفتحون الستائر.....ويرون منظراً لن ينسوه... شجرة التين العملاقة تحولت الى تمثال كبير بأغصانٍ هائلة مثقلة بالثلج.... كل شئ حولها وتحتها أبيض... أبيض.

يركضون مسرعين ... يقفزون على الأسرّة ويصرخون :
قوموا الدنيا تلجت.... قوموا شوفوا!!
صوت ابريق الشاي يغلي فوق المدفأة ورائحة الميرامية تملأ البيت...الوالد جالسٌ يرتدي فروته والأم تحضّر الفطور....
اما الاطفال فقد اجتمعوا إجتماعاً مغلقاً.... ثم بدأوا بالتنفيذ.

إرتدوا معاطفهم فوق البيجامات ولبسوا قبعاتهم المضحكة ثم بدأوا بغزو المطبخ.... أخرجوا أكياس النايلون من تحت المجلى مع حلقات المطاط وركضوا نحو والدتهم لكي تلف الأكياس حول قفازاتهم الصوفية وأحذيتهم الطويلة...
"استنوا إفطروا" قالت... لم يسمعوها ولم يردوا....
انطلقوا خارجاً ونادوا أولاد الجيران وبدأت المعركة.

كرات الثلج تتطاير في كل مكان.... أحدهم بدأ ببناء رجل ثلج ضخم... والآخر ركض إلى البيت وأخذ جزرة وحبتي زيتون أسود من الثلاجة لكي يكملو وجه منحوتتهم السريالية... غافلوا والدتهم وسرقوا صينية ألمنيوم كبيرة... فقد قرروا بناء زحليقة من رأس الطلعة.

كانت أيديهم محمرّة وأصابعهم منفوخة..... فقدوا الاحساس بأطرافهم وأقدامهم الصغيرة تغوص بالثلج مصدرةً صوتاً هشاً كان كأجمل موسيقى... كانوا يتجمدون ويضحكون .... ولكن... من يأبه للألم... كانت فرحتهم تفوق كل شئ.

عادوا للبيت وقد أنهكهم التعب واللعب....ومن الباب شمّوا رائحة شوربة العدس مع الخبز المقلي .... العدس دائما ًرفيق الشتاء وصديقه الازلي... كان يكفي ويشبع.... والحلوى المفضلة هي الشعيرية المحمصة مع السكر والقرفة.

سقى الله أياماً كانت السعادة فيها على أطراف أرواحنا.....
متاحةً سهلة المنال.... كل حدث كان له رونقه.....
والثلجة تاريخ ميلاد وعداد للسنوات.....

كان الثلج دافئاً حتى لو وصلت برودته الى عظامنا....
ينزل كحبات القطن المنفوشة بصمت....يملأ الأرجاء...
يمتصُ ضوضائنا وصخبنا ويسيطر ببهاءٍ وجلال
ناشراً نقاءاً لا نراه.... حين كان كل شئ أبيض.... أبيض.
ولكم تحيات
ماجد البلوي