فصل

ومن جملة المسلم للعرب أنهم لا يقولون مائدة إلا إذا كان عليها طعام وإلا فهي خوان ولا للعظم عرق إلا ما دام عليه لحم ولا كأس إلا إذا كان فيه شراب وإلا فهي زجاجة ولا كوز إلا إذا كانت له عروة وإلا فهو كوب ولا رضاب إلا إذا كان في الفم وإلا فهو بصاق ولا أريكة إلا للسرير إذا كان عليه قبة ، فان لم يكن عليه قبة فهو سرير ولا ربطة إلا إذا كانت لفقتين وإلا فهي ملاءة ، ولا خدر إلا إذا كان فيه امرأة وإلا فهو ستر ، ولا للمرأة ظعينة إلا إذا كانت في الهودج ، ولا قلم إلا إذا كان مبريا وإلا فهو أنبوب ، ولا عهن إلا إذا كان مصبوغا وإلا فهو صوف ، ولا وقود إلا إذا اتقدت فيه النار ، وإلا فهو حطب ، ولا ركية إلا إذا كان فيه ماء وإلا فهي بئر ، ولا للإبل رأوية إلا ما دام عليها الماء ولا للدلو سجل إلا ما دام فيها الماء ولا ذنوب إلا ما دامت ملأى ولا نفق إلا إذا كان له منفذ وإلا فهو سرب ولا لسرير نعش إلا ما دام عليه الميت ولا للخاتم خاتم إلا إذا كان عليه فص ولا رمح إلا إذا كان له زوج وسنان وإلا فهو أنبوب وقناة ولا لطيعة إلا للإبل التي تحمل الطيب والبز خاصة ولا حمولة إلا للتي تحمل الأمتعة خاصة ولا بدنة إلا للتي تجعل للنحر ولا ركب إلا لركبان الإبل ولا هضبة إلا إذا كانت حمراء ولا يقال غيث إلا إذا جاء في أبانه وإلا فهو مطر ولا يقال عش حتى يكون عيدانا مجموعة فإذا كان نقبا في جبل أو حائط فهو وكر ووكن .

المدهش لابن الجوزي ( ص 48 )


******







فَصْلٌ ( فِي شُكْرِ النِّعَمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَفَوَائِدِهِ فِي الِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ ) .

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : النَّعَمُ أَضْيَافٌ وَقِرَاهَا الشُّكْرُ , وَالْبَلَايَا أَضْيَافٌ وَقِرَاهَا الصَّبْرُ , فَاجْتَهِدْ أَنْ تَرْحَلَ الْأَضْيَافُ شَاكِرَةً حُسْنَ الْقِرَى , شَاهِدَةً بِمَا تَسْمَعُ وَتَرَى . وَقَالَ : مِنْ أَحْسَنِ ظَنِّي بِهِ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ لُطْفِهِ أَنْ وَصَّى وَلَدِي إذَا كَبِرْت فَقَالَ : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } . فَأَرْجُو إذَا صِرْتُ عِنْدَهُ رَمِيمًا أَنْ لَا يَعْسِفَ ; لِأَنَّ أَفْعَالَهُ , تُشَاكِلُ أَقْوَالَهُ , وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضُّرِّ مَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ , فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ , وَيَرْجُونَهُ لَا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ , فَتَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ , فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ , وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ , وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَذَوْقِ طَعْمِهِ , وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ , أَوْ الْجَدْبِ أَوْ الضُّرِّ , وَمَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ الدِّينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ مَقَالٌ , وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ , وَلِهَذَا قِيلَ : يَا ابْنَ آدَمَ لَقَدْ بُورِكَ لَك فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْتَ فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِك . وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ فَادْعُوهُ فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ مَا لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي أَوْ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنِّي ذَلِكَ ; لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا } . وَقَالَ أَيْضًا : { وَجَدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ } فَوُجُودُ الْمُؤْمِنِ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ وَذَوْقُ طَعْمِهِ أَمْرٌ يَعْرِفُهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْوَجْهُ وَهَذَا الذَّوْقُ . فَاَلَّذِي يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عِنْدَ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ يَجْذِبُ قُلُوبَهُمْ إلَى اللَّهِ وَإِقْبَالُهُمْ عَلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ , بِحَيْثُ يَكُونُونَ حُنَفَاءَ لِلَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ إلَى أَنْ قَالَ : وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَ بِهِ الْكُتُبُ , وَهُوَ قُطْبُ الْقُرْآنِ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الآداب الشرعية لإبن مفلح ( 2 / 175 )



______________


فصل : من أعمالكم سلط عليكم
خطرت لي فكرةفيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة ، و البلايا العظيمة ، التيتتناهى إلى نهاية الصعوبة فقلت : سبحان الله ! إن الله أكرم الأكرمين ، و الكرميوجب المسامحة .





فما وجه هذه المعاقبة؟




فتفكرت ، فرأيت كثيراً منالناس في وجودهم كالعدم ، لا يتصفحون أدلة الوحدانية ، و لا ينظرون في أوامر اللهتعالى و نواهيه ، بل يجرون ـ على عاداتهم ـ كالبهائم .




فإن وافق الشرعمرادهم و إلا فمعولهم على أغراضهم . و بعد حصول الدينار ، لا يبالون ، أمن حلال كانأم من حرام . و إن سهلت عليهم الصلاة فعلوها ، و إن لم تسهل تركوها . و فيهم منيبارز بالذنوب العظيمة ، مع نوع معرفة الناهي . و ربما قويت معرفة عالم منهم ، وتفاقمت ذنوبه ، فعلمت أن العقوبات ، و إن عظمت دون إجرامهم . فإذا وقعت عقوبة لتمحصذنباً صاح مستغيثهم : ترى هذا بأي ذنب ؟ و ينسى ما قد كان ، مما تتزلزل الأرض لبعضه .




و قد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب ، و لا يدري أن ذلك لإهماله حقالله تعالى في شبابه . فمتى رأيت معاقباً ، فاعلم أنه لذنوب .


صيد الخاطر لابن الجوزي ( ص 51 )



___________




(138 ) فصل
من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ( عاقبة التعفف و الصبر )



قدرت في بعض الأيام علىشهوة للنفس ، هي عندها أحلى من الماء الزلال في فم الصادي .




و قال التأويل : ما ههنا مانع ، و لا معوق إلا نوع ورع .




و كان ظاهر الأمر امتناع الجواز ،فترددت بين الأمرين ، فمنعت النفس عن ذلك ، فبقيت حيرتي لمنع ما هو الغاية في غرضهامن غير صاد بحال إلا حذر المنع الشرعي .




فقلت لها : يا نفس و الله ما منسبيل إلى تودين و لا ما دونه ؟




فتقلقلت ، فصحت بها : كم وافقتك في مراد ذهبتلذته و بقي التأسف على فعله ؟ فقدري بلوغ الغرض من هذا المراد ، أليس الندم يبقى فيمجال اللذة أضعاف زمانها ؟




فقالت : كيف أصنع ؟ فقلت :




صبرت و لا و الله مابي جلادة .. على الحب لكني صبرت على الرغم




و ها أنا أنتظر من الله عز وجل حسن الجزاء على هذا الفعل ، و قد تركتباقي هذه الوجهة البيضاء ، أرجوأن أرى حسن الجزاء على الصبر ، فأسطره فيه إن شاءالله تعالى ، فإنه قد يعجل جزاء الصبر و قد يؤخره ، فإن عجل ستره ، و إن أخر فماأشك في حسن الجزاء لمن خاف مقام ربه ، فإنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .




و الله إني ما تركته إلا لله تعالى ، و يكفيني تركه ذخيرة ، حتى لو قيل لي : أتذكر يوماً آثرت الله على هواك ؟ قلت : يوم كذاو كذا .




فافتخري أيتها النفسبتوفيق من و فقك ، فكم قد خذل سواك .




و احذري أن تخذلي في مقلها ، و لا حولو لا قوة إلا با الله العلي العظيم .




و كان هذا في سنة إحدى و ستين وخمسمائة ، فلما دخلت سنة خمس و ستين ، عوضت خيراً من ذلك بما لا يقارب مما لا يمنعمنه ورع و لا غيره .




فقلت : هذا جزاء الترك لأجل الله سبحانه في الدنيا ، ولأجر الآخرة خير و الحمد الله .



صيد الخاطر لابن الجوزي ( ص 186 )

__________________