مشعل العبدالله وعالم الاعاقة ( قصة مؤثرة )
العوق الحركي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... وبعد
أود أن أشكر القائمين على الموقع على هذا الجهد الجبار الذي قاموا به في إنشاء هذا الموقع الذي يخدمننا نحن المعاقين
وأود أن أشارككم تجربتي والتي لم يمر علي شخص قد مر بها
أتمنى أن تبدوا رأيكم بهذا الموضوع
بإسم الله نبدا :
الشاب الذي دمره التفحيط
التاريخ : 17 /6 / 1425 هـ
المكان : المدينة المنورة
الزمان : منتصف الليل
كانت نهاية صيف ساخن .... كانت بالنسبة لي مجرد سفر وإستمتاع وحياة رغيدة مليئة بكل ترف الدنيا
ولم أكن أعلم بأن المتعة القاتلة ستتسبب بمصيبة كبيرة علي
كانت نهاية الصيف
عندما قررت أنا ومجموعة من رفقاء السوء الذهاب لمشاهدة بعض المتهورين وهم يقومون بالتفحيط
لم أكن أنوي الذهاب ... لكن القدر ساقني إلى هناك
كان منتصف الليل تماما ...
وقفت بين مجموعة من الشباب أشاهد ذلك المتهور وهو يلعب بالسيارة يمينا وشمالا
تارة أصفق له ... وتارة أصوره بالجوال
وفي نهاية الأمر .... لم أجد نفسي سوى مرميا على الأرض والتراب والغبار حولي في كل مكان
حاول أصدقائي تحريكي من الأرض ... لكنهم خافوا علي من اصاب بشلل أو أصابة بليغة
أخبرتهم بأني بخير .... لكني أشعر أن ساقي قد أنكسرت
وليتها أنكسرت
كانت مليئة بالدماء ... ولم أكن أستطيع تحريكها
وأنتظرنا الإسعاف ... الذي أتى بعد نصف ساعة من النزيف المتواصل لقدمي
كنت مرقدا على ظهري ... ولم أكن أستطيع رؤية رجلي
وذهب الأسعاف إلى المستشفى وأنا بكامل وعيي لم أفقد لحظة واحدة منه
أحس بكل قطرة دم تنزف ..... وبكل ألم وتشنج
كان عقابا من الله - عز وجل - لي .... ان احس بكل تلك الألام
وعند وصولي إلى المستشفى وبقائي لمدة ساعتين بالفحوصات والأشعات والنزيف المتواصل
قرر الطبيب بأنه لابد من إجراء عملية عاجلة ولابد لي من الموافقة
وقال لي بأن ساقي قد تبتر بسبب العملية
وافقت فورا
وبقيت 6 ساعات في غرفة العمليات ....
وخرجت منها الساعة الرابعة عصرا إلى غرفة العناية المركزة
وجدت أهلي جميعهم حولي
أبي ... أمي .... أخواني وأخواتي الصغار ...
حاولت الجلوس بمساعدتهم ....
وبعد جهد جهيد تمكنت من رؤية ساقي
كانت أسياخ الحديد مثبتة فيها ..... ومغطاة بالجبس من أولها إلى أخرها
لكنها كانت موجودة .... ولم أكن أستطيع تحريكها
وبقيت أسبوعا كاملا في العناية المركزة .....
وزملائي الذين كانوا متواجدين معي وقت الحادث أتوا للسلام علي ودموعهم في أعينهم
كنت أطمئنهم بأني لازلت حيا أرزق .... ولم أخسر شيئا
ولم أكن أعلم باللذي يخبئه القدر لي
وفي العناية المركزة كان هنالك شاب سعودي لا يأتيني أسمه الأن ... يأتيني كل لحظة ويسألني عن حالتي وإذا كنت بحاجة إلى شيء ؟؟
فأجيبه بالنفي
وكانت هناك ممرضة مصرية كانت تسميني بالكابتن ماجد ... كانت لطيفة وحبوبة لأبعد حد ...
وفي إحدى الأيام صرخت بها وقلت بأني لا أريد المضاد الحيوي ذي الطعم المر الذي كانوا يضعونه لي في حلقي
قالت لي إذا أردت أن تخرج من المستشفى فلابد أن تأخذه
فصرخت بها وقلت : لماذا لا تتركيني أنام بسلام كباقي المرضى النائمين هناك ..
نظرت إلي وضحكت ثم ثالت :
أحمد الله أنك لست نائما مثلهم ... فكل هاؤلاء في غيبوبة عمييييييييييييي ييييقة
وفي نهاية الأسبوع قرروا إرسالي إلى الرياض حيث العلاج الأفضل والرعاية الجيدة
وجهزوا طائرة الإخلاء الطبي الخاصة بنقلي إلى هناك
وذهبت معي تلك الممرضة وذلك الشاب إلى المطار بالإسعاف ...وودعتهم وقالوا لي بأن أتي لزيارتهم ماشيا بدون سرير
وعند وصولي إلى الرياض وجدت أعمامي وعماتي وأبنائهم وبناتهم في أستقبالي عند بوابة المستشفى
تصورت كم أنا غالي في عيون هؤلاء
وفي المستشفى تم إبلاغي بالخبر الأليم
الأستشاري قال لي بأنه لايوجد أي أمل في شفاء رجلي ... وأن بترها شيء لابد منه
قلت له :
ليست لدي مشكلة مع موضوع البتر ... لكن هل ستتوقف الألام التي أحس بها
قال لي :
بإستعمال الإبر المهدئة ستخف الألام قليلا .... لكن أخر العلاج الكي
قلت له :
وهل سأبقى برجل واحدة طوال حياتي ؟؟؟
قال لي :
لا .... توجد أطراف صناعية ستساعدك على المشي والركض والسباحة و و و .....
قاطعته قائلا :
كل هذا لايهمني .... أريد طرفا صناعيا يساعدني على المشي وقيادة السيارة .....
لا أريد أي شيء أخر من دنيتي ..
قال لي بعطف :
لماذا أنت متشائم ..؟؟؟ صدقني ستعود لحياتك الأولى بدون أي فرق
ثم قال لي :
سنعطيك مهلة لمدة أسبوع ... لعل وعسى أن تحدث معجزة من السماء ...
ومضت الأيام ...
تنازلت عن كل شيء لحظتها مقابل أن أقف على قدماي
تنازلت عن السباحة ... والركض ... والرياضة ... والسفر ....
كل ذلك لكي أستطيع أن أعود إلى طبيعتي (أو ماتبقى منها )
وفي كل يوم يأتي شيخ ويقرأ على رجلي ... وشيخ أخر يرش من ماء زمزم عليها ...
لم أكن أحس بها نهائيا ... ولا أستطيع تحريكها أو حتى تحريك أصبع واحد
وعشت أسوء لحظات حياتي في هذا الأسبوع ....
من الإبر المهدئة التي أدمنت عليها ...
والزيارات المتواصلة التي لاتنقطع ...
وزملائي رفقاء السوء الذين أنقطعوا عني ....
والنوم الذي لم أكن أعثر عليه إلا بواسطة المهدئات والأبر
ووزني الذي نزل نزولا فظيعا بسبب إنعدام الأكل نهائيا
ووصلنا إلى نهاية الأسبوع ......
وكانت البداية لحياة أخرى
كانت نهاية الأسبوع توافق يوم الجمعة .... وكان أبي وأخي وأختي متواجدين لدي في الصباح الباكر ...
أتى الدكتور لرؤيتي وهو يسأل عن حالتي وقلت له الحمد لله على كل حال
لقد أتت نهاية الأسبوع .... متى ستكون العملية يا دكتور ؟؟
أجاب :
أصبر وربك كريم
وما أن خرج الدكتور من عندي .... حتى بدأت أحس بذلك الألم الفظيع الذي لم أحس به من قبل
وقلت لأبي أستدعي الدكتور بسرعة ...
وبعدها بدأت أصاب بالعمى الجزئي
كنت أغمض عيني وأفتحها .... فلا أرى إلا الظلام الدامس ....
أحاول وأحاول وأحاول ..... ولكني لم أكن أرى شيئا ....
أحسست أنها نهايتي ... فبدأت بالتشهد لعل وعسى أن أكون من أموات المسلمين وأنا تحت رحمة رب العالمين
ومرت حياتي أمامي بسرعة البرق وأنا أعمى ...
كنت أرى نفسي منذ الطفولة وحتى يوم الحادث ....
كلها مرت بسرعة والناس حولي تصرخ وتبكي ....
وعندما أتى الدكتور قام بسحب السرير وهو يستدعي الممرضات لدفعه بسرعة عاجلة بعد أن كشف عن ساقي
ووجد حصول نزيف داخلي وتورم كبير فيها
وكان الدكتور جالسا بجواري فوق السرير والممرضات يدفعنه بسرعة شديدة بإتجاه غرفة العمليات
وأظلمت الدنيا في وجهي ....
وعندما أفقت وجدت نفسي في غرفتي .... وأهلي وأقاربي مجتمعين عندي ....
وكانوا كلهم يقولون لي الحمد لله على سلامتك ...
لقد ظننت أني قد مت ... لكني تأكدت بأني حي بسبب وجود المغذيات والأبر والعلاج حولي
لم أكن أعلم مالأمر الغريب ..؟؟
لم تحصل أن أجتمعوا سويا كلهم في غرفتي مرة واحدة ....
ولكني لم أعر الموضوع إهتماما ....
وذهبوا جميعا وأرتحت في سريري بعد أخذي لإبرتي المهدئة ونومي العميق
وعندما أفقت في الصباح وجدت أبي جالسا عندي
سألني كيف حالك الأن ...؟؟
قلت له بخير ...
كان وجهه عبوسا مكتئبا .... لاشك وأن الدكتور قد حدد موعد العملية
سألت أبي .... لقد مر أكثر من أسبوع ولم يعطني الدكتور خبرا بخصوص موعد العملية ؟؟
قال لي أبي ... أي عملية ؟؟
قلت له عملية البتر طبعا ؟
سكت أبي لبرهة ... ولم يرد علي ....
وبعدها نزلت دمعة ساخنة من عينيه .... وأجاب بعدها بأنهم قد أنتهوا من الموضوع ؟؟
ماذا ؟؟؟؟ كيف وأين ومتى ...؟؟؟
-------------------------------
الفصل الثاني : عمليات عمليات عمليات
المكان : مدينة الرياض - مستشفى الحرس الوطني
التاريخ: 2 / 8 / 1425 هـ
الزمان : الرابعة عصرا
لا يمكن ... مستحيل ..... معقول ؟؟؟
أنتهوا من الموضوع ....لاشك وأني أحلم
كيف أنتهوا من الموضوع ؟؟؟
رجلي موجودة .... أني أراها أمامي ...
لاشك وأني أحلم ... لايمكن أن مايقوله لي أبي صحيح أبدا
رددت على أبي وقلت :
أنتهوا من ماذا ... رجلي موجودة إنها تحت الغطاء ... أنا أحس بها
لم يرد علي أبي ... أنما أشاح بوجهه بعيدا عني
وقتها ... عزمت على التأكد بنفسي
لقد شككت بأحاسيسي بأنها تخدعني ... فأنا أحس بأن قدمي موجودة ... بل وأستطيع تحريكها أيضا
ورفعت الغطاء ... وبدأت أنظر ..
أمممم ... شيء غريب ... رجلي مبتورة فعلا .. أني لا أرى سوى منتصف الساق ثم لايوجد شيء ... د
ولكن الإحساس موجود ..
أحس بأنها تقرصني ...
وأحس بأنها تتحرك
ولكن ...
لايوجد شيء
كانت كالصورة الناقصة
وضعوا لي نوعا من المشد الذي يساعد الركبة على أن تبقى مستقيمة حتى لاتنثني ...
وبعدها ... أتى إلي الإستشاري الدكتور عبدالعزيز العماري
وقال لي ... هاه كيف حالك الأن يا ولدي ؟
أجبت :
رجلي تقرصني كثيرا يا دكتور ... وأحس كأنها موجودة ولم تبتر
قال لي :
هذا شيء طبيعي ... فهذا أسمه الطيف الخيالي ... فرجلك كانت موصلة بجسمك سنين طويلة ... وعند فصلها فجأة لا يعتاد الجسم بعدم وجودها حتى يرسل
إشارات عصبية إليها وعندما لايجد أجابة يعرف بأن ذلك العضو غير موجود
أها فهمت ... إذا هذا شعور طبيعي
وبدأت الأسئلة السخيفة ...
وش صار يا دكتور ... ؟؟ وش اللي جاني أول ...؟؟ وأنت متى جيت للمستشفى ... وكيف بترتوها بمنشار ولا
خخخخخخخ
كان الوضع لدي أكثر من طبيعي ... لم يكن هناك شيء يضايقني أو يجعلني حزينا
فأنا أكثر أنسان أؤمن بالقضاء والقدر .. وبأن ما حصل لي شيء ومقدر من رب العالمين ... بل أزداد سعادة عندما أعلم أنه أبتلاء من الله ...
وبدأت الزيارات ... وبدأت الحشود بالتوافد علي .. وأنا في أتم صحة وعافية ....لم تكن هناك حرارة أو برودة ... لكني لم أكن أستطيع التحرك من
الفراش أو تحريك ساقي نهائيا بأمر من الدكتور
وذلك بسبب أن المستشفى الأول قد أزال حوالي 70% من جلد الساق خلال محاولة لإعادة توصيل الأوعية الدموية وبقيت مكشوفة
وأنتهى عمل إستشاري الجراحة والعظام ... وبدأ عمل إستشاري التجميل ..
وهنا ... عاد العذاب من جديد
قرروا بأنه لابد من أخذ رقعة جلدية من الفخذ الأيسر ووضعها في الساق اليمنى لتغطيتها ..
طبعا وافقت فليس هناك خيار أخر ...
وبدأنا العملية الأولى
وأستغرقت 8 ساعات تم قطع طبقة رقيقة من الفخذ الأيسر ووضعه في الساق اليمنى ثم لفه بالضماد
وعندما عدت إلى غرفتي بدات بالإنهيار ...
في السابق كنت أستطيع النوم على جانبي الأيمن وتحريك رجلي اليسرى
أما الأن فصرت أنام على ظهري دون تحريك أي من أرجلي (اليمني واليسرى)
كالمشلول تماما
وعندما أقوم بتحريك رجلي اليسرى ولو قليلا أحس بألام فضيعة بسبب عدم وجود الجلد ... كان اللحم يحتك ببعضه بعضا
وبدأت بالإنهيار جزئيا ...
وصادف ذلك إنتقالي إلى غرفة أخرى ضيقة غير التي كنت فيها وكانت حالتي النفسية سيئة للغاية
وبينما كنت أنقل إلى الغرفة الجديدة أتى أحد أبناء عمتي لزيارتي وقد كان خارج المملكة ولم يكن يعلم بما أصابني
وعندما أتى تعصل السرير الكهربائي الذي كنت عليه وطلبوا مهندسا ليصلحه وأتى شاب سعودي لإصلاح السرير وبينما هو يعمل كنت أحكي قصتي لإبن عمتي وكم أنا متضايق
وأحس بألام فضيعة في رجلي اليسرى
وعندما أنتهى الشاب من أصلاح السرير قال لي :
إعذرني على المقاطعة لكني أستمعت لحديثكم وأريد أن أقول لك شيئا
قلت له : تفضل
قال لي :
يوجد قسم في المستشفى يسمى العناية الطويلة يضعون فيه الأشخاص الميؤوسة حالتهم ولا أمل في علاجهم إلى أن يموتوا وقد تعرفت على شاب هناك كان لديه من الإرادة
والعزيمة الشيء الكثير
وكان مصابا بشلل نصفي وضعف عام في العضلات ..
وكان إذا أراد الإتصال بالجوال يتصل بإستخدام عظمة الرسغ الموجودة في الساعد للضغط على الأرقام
عندما قال لي ذلك .... صدمت وذهلت ... وحمدت الله على ما أنا فيه وأن الذي بي شيء من لا شيء
وأعجبت بالشاب وطلبت منه الجلوس لكنه أعتذر لأشغاله ووعدني بزيارة أخرى
ونمت ذلك اليوم مرتاحا في أنتظار العملية في الصباح ... طبعا كما تعرفون لابد من الإنقطاع عن الأكل والشراب مدة لا تقل عن 8 ساعات
ودائما يوعدونني بأن أدخل العملية في الصباح ولا أدخل غرفة العمليات إلا في العصر ... أي أبقى أكثر من 18 ساعة بدون ماء أو طعام
أما بالنسبة للألام ... فكنت أطلب أبرة المورفين العجيبة
أبرة ما أن تأخذها بثلاث ثوان فقط ... حتى تنسى الألم والعالم والناس من حولك ... وتنسى أمك وأبوك أيضا ... وتبدأ جفونك بالتراخي وجسمك بالإسترخاء
..
كنت أدمن عليها بشكل عجيب ... أطلبها كل 6 ساعات
قمت ب 23 عملية ترقيع وتجميل وتنضيف للجرح حتى توقفت العمليات وأصبحوا يضعون الغيار لي في غرفتي ... طلبت مرة من الدكتور أن أنظر إلى رجلي ...
فقال لي : إن شكلها مفزع قليلا لكنها ستتحسن وسيصبح شكلها أفضل
وكانت النظرة الأولى بعد البتر
النظرة الأولى التي أرى فيها رجلي بدون أسياخ أو مسامير أو حتى ضماد ...
كانت مفلطحة ومحمرة ورقعة الجلد واضحة وضوح الشمس ...
سألته هل ستبقى هكذا طوال العمر ؟؟
رد علي ... سيتحسن شكلها لكنها لن تكون مثل الأول
بصراحة ... عندما أنظر إلى ساقي أتذكر ذو الوجهين في فيلم باتمان ... الجهة اليمنى جميلة وصافية ... والجهة اليسرى مشوهه وداكنة
إلى الأن كما ترون ... لم أخبركم بأني بكيت أو نزلت دمعة من عيني ..
أو حتى تضايقت ...
كل شيء عندي كان طبيعيا إلى أبعد حد
حتى أتى ذلك اليوم الذي أنتهت فيه العمليات وعمليات الغيار وأصبح الغيار شيئا عاديا أقوم به بنفسي بدون مساعدة
كان يوما كباقي الأيام ... طلبت من الطبيب أن أفك المشد الذي يبقي ركبتي مستقيمة لأنه يتعبني في النوم ... وقال لي لامشكلة لكن ضعه عندما تستيقظ من النوم
فتحت المشد ... وبقيت أنظر ألى ساقي وهي ملفوفة بالضماد ...
وأخذت أنظر وأنظر وأنظر وأفكر وأفكر وأفكر ....
وذهبت بي الأفكار بعيدا ....
قلت لنفسي ... أن الباقي من الساق شيء قصير جدا ... وبالتأكيد لا يصلح لتركيب طرف صناعي ...
أخذت الفكرة تدور في رأسي وبأدت أحس بأني سأقف بساق واحدة طول عمري
جربت الوقوف ... وتمكنت من الوقوف بتوازن ضئيل ...
وذهبت إلى الواجهة الزجاجية التي أرى منها الحديقة وأخذت أنظر إلى نفسي وأنا أقف برجل واحدة ....
كان منظري بشعا ....
عدت إلى السرير وأخذت دموعي تنزل في صمت ...
دموع حارة .... لم أبك من قبل مثلما بكيت ذلك اليوم ...
دخلت علي أحد الممرضات وعندما شاهدتني أبكي ظنت أن بي ألم ما ... وسألتني هل بك شيء فلم أجب
فإستدعت الدكتور الذي أتى وشاهد حالتي هكذا وطلب أبرة مورفين ... وكانت أخر أبرة أخذها .... فقد أدمنت على المورفين وأخذته ونمت وصحيت باليوم التالي
بكامل عافيتي وكانت حالتي النفسية على مايرام وكأن شيئا لم يكن ..
وبدأ أحد أخصائيي العلاج الطبيعي بزيارتي وقال لي بأنه لايوجد لدينا علاج طبيعي ولابد من تحويلك إلى مستشفى أخر ... وقلت له أقترح علي فأخبرني بأنه لا يعرف
مستشفى متخصص بالعلاج الطبيعي للمبتورين
فطلبت الإستشاري عبدالعزيز العماري الذي أتى وأفادني بأن مدينة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية هي الأفضل في الشرق الأوسط فوافقت على الفور
ولكنها مدينة خاصة لابد من دفع رسوم العلاج او الحصول على أمر علاج يتكفل بدفعه أحد أصحاب السمو الأمراء
وبدأت في العمل على هذا الموضوع وبدأت بالقيام بالإتصالات حتى تمكنت من الحصول على أمر بالعلاج من سيدي صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان حفظه الله
وقالوا لي بأنه سيتم إرسال فريق طبي لدراسة الحالة وأنا بالمستشفى وأنتظرت حتى بدأ شهر رمضان ولم يأتي الفريق حتى أنتصف شهر رمضان وطلب المستشفى مني
الخروج حتى يستفيد شخص أخر من السرير فرفضت الخروج حتى يأتي الفريق ....
وعندما أتى الفريق ورأوا حالتي وكتبوا التقرير وقالوا سنتصل بك قريبا .... وقتها طلبت الخروج من المستشفى الذي كان كالفندق لدي
غرفة خاصة وحمام خاص وتلفاز خاص وبلاي ستيشن وكمبيوتر محمول ... كل شيء كان موفرا لي
خرجت في أخر يوم من شهر رمضان المبارك وذهبت إلى المدينة عند أهلي خرجت من المستشفى على مشاية (Walker) وكان المشي بها صعبا
وحالما وصلت إلى البيت أتصلت بزملائي وطلبت منهم زيارتي حيث أنني في البيت وأتوا لزيارتي ...
كانوا ساكتين ومحرجين من الحديث معي ... ولكني كنت طبيعيا لأبعد حد أضحك وأسولف وكأن شيئا لم يكن ...
وبعدها تهامسوا فيما بينهم بأنهم يرغبوا بأن يشتروا عشاء لي ويأتون به إلى البيت لأنهم يرون أن خروجي من البيت صعب نوعا ما ...
وقلت لهم :
هل تظنون بأني لن أخرج معكم ؟؟ أنتم تحلمون ... هذا البتر الذي في رجلي لم ولن يغير شيئا من طباعي وعاداتي أبدا أبدا
وقلت لهم أنتظروا قليلا ودخلت إلى غرفتي وأرتديت بنطلون جينز وتي شيرت أسود وحذاء رياضيا في ساق واحدة فقط ... والساق الأخرى معلقة في الهواء ...
وقلت لأبي :
أنا ذاهب لتناول العشاء مع زملائي ..
نظر إلي أبي وقال :
لماذا لاترتدي ثوبا واسعا أفضل من هذا ..؟؟
قلت له :
أنا أنسان حر وأرتدي ما يعجبني ولا يهمني كلام الناس ولا نظراتهم
وخرجت وذهبت مع زملائي وتناولنا العشاء في هارديز والناس يجلسون حولي ويناظرون بإستغراب وفضول
وأنا لايهمني نظر أحد ولا أهتم بأحد
أنا أنسان حر لايهمني كلام الناس ولايهمني نظراتهم
وعدت إلى البيت وطلبت منهم أن نخرج سويا كل يوم كما كنا نفعل سابقا
ونمت وإستيقظت في اليوم التالي وكان يوم العيد ولبست الثوب والشماغ وبقيت في المجلس أستقبل الضيوف والزوار وكأن شيئا لم يكن وكلهم يحمدون لي بالسلامة
لم أهتم لنظراتهم ولا لإستغراب أبنائهم
أنا راضي بما فيني ولايهمني نظراتكم ولا كلامكم
وصرت أذهب إلى الأسواق وأتمشى ولايمنعوني من الدخول كوني معاقا وأشاهد الناس والعالم كأي أنسان طبيعي ... و مشايتي تصدر صوتا يجذب الأنظار
وأنا ... لا أهتم
وأنتهى شهر شوال وذي القعدة وأنا على هذا المنوال ... أخرج وأذهب وأعود كما لو أني طبيعي لاينقصني شيء ... وزاد ذلك أن أبي تفهم وضعي ولم يحاول
مضايقتي بخصوص خروجي أو لباسي
وفي بداية ذي القعدة ... أتاني إتصال
وكانت تلك هي البداية ...
البداية لحياة أخرى
يتبع
-------------------------------