ضع إعلانك هنا



صفحة 5 من 5 الأولىالأولى ... 345
النتائج 25 إلى 29 من 29

الموضوع: سلسلة قصص الأنبياء

  1. #25
    عضو جديد
    تاريخ التسجيل
    20 - 12 - 2003
    الدولة
    دنيا الواقع مملؤه بالخيال
    المشاركات
    875
    معدل تقييم المستوى
    746

    افتراضي

    <div align="center">سليمان بن داود عليهما السلام


    هو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل بعد أبيه داود عليهما السلام، وقد انفردا من بين الرسل بأن الله آتاهما الملك والنبوة. وقد ذكر الله سليمان في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، فقال تعالى في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا...} [النساء: 163].


    حياة سليمان عليه السلام في فقرات:

    )أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة سليمان عليه السلام ما يلي:

    -1 أوصى داود عليه السلام بالملك لولده سليمان، ولما مات داود ورثه سليمان في الملك، وكان عمره حينئذٍ اثنتي عشرة سنة، وكان سليمان - على حداثة سنه - ممن آتاهم الله الحكمة والفطانة وحسن السياسة.

    -2 اتسع ملك سليمان، وغالَبَ الأمم من حوله، حتى ضرب الجزية على جميع ملوك الشام، ثم امتد ملكه حتى كان له نفوذ على ملوك اليمن، وخضعت له ملكة سبأ، فآمنت به ودخلت في دينه وطاعته.

    -3 قام بعمارة بيت المقدس - تنفيذاً لوصية أبيه داود عليه السلام - بعد أربع سنين من توليه الملك، وأنفق في ذلك أموالاً كثيرة، وانتهى من عمرانه بعد سبع سنين، وأقام السور حول أورشليم (مدينة القدس).

    ثم بنى الهيكل (القصر الملكي)، قالوا: وقد أتم بناءه في مدة ثلاث عشرة سنة، وأنشأ مذبح القربان، وكان له اهتمام عظيم بالإِصلاح والعمران، وكان له أسطول بحري، قالوا: وكانت السفن تجلب له من الهند الذهب والفضة والبضائع، والفيلة والقرود والطواويس، وكان له عناية فائقة بالخيل، يروضها ويعدها للحرب، وكانت له مجموعة كبيرة من النساء الحرائر والسراري.

    قالوا: وقد قام بأعمال تجارية واسعة في البر والبحر، وأدخل نظام الضرائب والسُّخرة، حتى أصبحت عظمة حكمه مضرب الأمثال.

    -4 وأورد المؤرخون أن سليمان عليه السلام حجَّ إلى بيت الله الحرام بمكة، في ركبٍ مَلَكيٍ كبيرٍ وفّى فيه نذره، وقدم في حجته ذبائح وقرابين كثيرةً، وأنه بعد حجه عليه السلام سافر بركبه إلى اليمن، ودخل أرض صنعاء. والله أعلم.

    -5 ولبث في الملك (40) سنة ثم توفي عليه السلام، وقد بلغ عمره (52) سنة.

    )ب) وقد تعرض القرآن الكريم في عدة سور لحياة سليمان عليه السلام، بشكل تناول أهم النقاط البارزة في حياته، مما يتصل بنبوته وملكه، وبعض صفاته ونعم الله عليه، وذكر منها ما لم يتعرض له أهل التاريخ، وأبرز ما جاء في الكتاب العزيز مما يتصل به عليه السلام النقاط التالية:

    -1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه كما أوحى إلى سائر الرسل، وأن الله آتاه علماً، وفضله وأباه على عالمي زمانه، كما قال أبوه داود من قبل: {الحمد الله الذي فَضَّلَنا على كثيرٍ من عباده المؤمنين}.

    -2 إثبات أنه أوَّاب، ولذلك أثنى الله عليه بقوله :

    {وَوهبنا لداود سليمان نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30].



    -3 إثبات أن الله أنعم عليه بنعم كثيرة منها ما يلي:

    )أ) أن الله آتاه الملك ميراثاً من أبيه داود عليه السلام، قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16].



    (ب) أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى أباه داود مثل ذلك من قبله.

    (جـ) أن الله آتاه الحكمة على حداثة سنه، ويشهد لذلك قصة الاستفتاء الفقهي الذي وُجِّه إلى أبيه داود، فأفتى فيه بوجه، فاستدرك سليمان فأفتى بوجه آخر، وكان ما أفتى به سليمان أضمن للحق وأقرب للصواب، وقد أوردنا هذه القصة فيما سبق عند الكلام على حياة داود عليه السلام.

    (د) أن الله سخَّر لسليمان الريح تجري بأمره حيث أراد، غُدُوُّها شهر ورواحها شهر، فإذا أرادها رخاء جرت بأمره رخاء حيث أصاب، وإذا أرادها عاصفةً جرت بأمره عاصفة إلى الأرض التي أراد.

    فتسوق له السفن حسب إرادته، وتتجه بأمره إلى الأرض التي يوجهها إليها حسب المصالح التي يقدرها.

    وهذا التسخير من المعجزات التي اختص الله بها سليمان عليه السلام.

    (هـ) أن الله سخر له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمر الله يذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب، وتماثيل، وجفان كالجواب، وقدور راسيات. كما سخر له من الشياطين - وهم مَرَدَة الجن - من يغوصون له في البحار، لاستخراج ما يريد منها، ومن يبنون له المباني الضخمة، كما سلطه الله على آخرين من الشياطين إذ يكف شرهم عن الناس، وذلك بتقييدهم بالأغلال. قال الله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَءاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ}.



    مقرّنين في الأصفاد: مقيدين في الأغلال.

    )و) أن الله سخر له الجنود من الجن والإِنس والطير، يجتمعون بأمره ويطيعونه. قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}.



    يوزعون: يؤمرون فيطيعون، ويمنعون فيمتنعون.

    (ز) أن الله أسال له عين القِطر - وهو النحاس - فكان النحاس يتدفق له مذاباً من عين خاصةٍ كتدفق الماء، ولعل ذلك كان في أرض بركانية.

    -4 ومن الأحداث التي جرت لسليمان عليه السلام، قصته مع ملكة سبأ، قالوا: واسمها بلقيس. والله أعلم.

    وخلاصة هذه القصة - مقتبسة مما جاء في الكتاب المجيد في سورة (النمل) - كما يلي:

    عرفنا أن الله سخَّر لسليمان الطير يستخدم كلاً منها في مهماته، ضمن حدود القدرات التي وهبها الله ذلك الصنف من الطير، وكان قد اختصه الله بفهم منطقها، وكيفية خطابها وإفهامها أوامره ونواهيه، وتلك معجزة خاصة من الله لسليمان.

    وكان من الطير المسخرة له (الهدهد)، إلاَّ أن هذا الهدهد قد وهبه الله امتيازاً إدراكياً خاصاً، يستطيع أن يدرك به بعض ما يدركه الناس.

    وذات مرة تفقّد سليمان جنوده من الطير، فلم يجد بينها طائر الهدهد.

    قال سليمان: {مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 20-21].

    ثم أقبل الهدهد، وحضر بين يدي سليمان عليه السلام، وسمع تأنيبه على غيابه، وتوعُّدَه له إلاَّ أن يأتي بسلطانٍ مبين يبرر غيابه.

    فقال الهدهد لسليمان: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22].

    فسأله سليمان: ما هو هذا النبأ اليقين؟

    فأجاب الهدهد: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 23-26].

    قال سليمان: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 27-28].

    حمل الهدهد كتاب سليمان، وطار به حتى وصل إلى ملكة سبأ، فألقاه إليها، ففضته وقرأته.

    ثم قالت لوزرائها ومستشاريها: {يَا أَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29]، فاسمعوا محتواه: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30-31].

    ولما قرأت عليهم الكتاب قالت لهم: {يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِي} [النمل: 32].

    قال ملَؤها ومستشاروها: "نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد"، فإن كنت تريدين الحرب فنحن أهل لها، وقد ذكروا ذلك ليشدوا من قوى مليكتهم، ويشيروا عليها بعدم الاستسلام، ثم قالوا لها: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]. معلنين بذلك كمال الطاعة لما تأمر به.

    قالت الملكة: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً} - أي: عنوة وعن طريق القتال - {أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 34-35]؟&#33;

    فالرأي أن نصانعه أولاً بالهدايا، ونحمِّلها لرجال دهاة منا، ينظرون مدى قوة سليمان، ثم بعد ذلك نقرر ما يجب أن نفعله في ضوء ما يأتينا من معلومات عنه.

    حمل رسل ملكة سبأ هداياهم إلى سليمان، فلما وصلوا إليه ووضعوها بين يديه، قال سليمان: {أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36]&#33;&#33;.

    وبذلك أعلن لهم أنه ليس بحاجة إلى مال، وإنما هو رسول صاحب دعوة ربانية. ثم قال لرئيس رسل ملكة سبأ:

    {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37].

    فرجع الرسل، ووصفوا لمليكتهم ما شهدوه عن عظمة ملك سليمان، وقوة بأسه، وأنه لم يقبل هداياها، ولم يرضَ المصانعة، وأنه عازمٌ على ما ذكر في كتابه لها.

    فعزمت الملكة على الاستسلام والانقياد، وشدّت رحالها وأحمالها، وسارت بركابها إلى سليمان.

    علم سليمان عليه السلام بأن القوم وافدون إليه طائعين منقادين، فقال لوزرائه ومستشاريه، وسائر حاشيته من الإِنس والجن:{ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38]؟&#33;

    فتسارع جنود سليمان وأنصاره لتلبية الطلب.

    قال عفريت من الجن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].

    وكان لسليمان مجلس ملكي يجلس فيه للاستشارة والقضاء، وتصريف مهام الملك.

    قال الذي عنده علم من الكتاب: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}.

    وإذا بعرش ملكة سبأ حاضر بين يدي سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه.

    فلما رآه مستقراً عنده قال:{ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].

    وأعدّ سليمان لها صرحاً خاصاً قبل أن تصل إليه، وجعل أرضه ممردة من زجاج متلامع، مهيأ بشكل يخَاله الناظر لُجّةً.

    وأراد عليه السلام أن يغير بعض معالم عرش ملكة سبأ، وينكِّره لها، ليمتحن قوة ملاحظتها وانتباهها إذا جاءت وشهدت مظاهر عظمة هذا الملك المؤيد بالخوارق والعجائب، ودهشت بها، ولذلك: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنْ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}.

    {فَلَمَّا جَاءَتْ}فوجئت بأول امتحان، فعرض عليها عرشها و "قيل: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ}؟&#33; فنظرت إليه - وكانت صاحبة فطنة وذكاء - وتأملته ثم "قالت: كأنه هو" وهي قولة فَطِنٍ حَذِر.

    وكأنها أدركت السرَّ، وأنه عرشها حقاً نقل من اليمن إلى مركز ملك سليمان، ونُكِّر لها لامتحانها واختبار قوة ملاحظتها، فقالت: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}.

    وأعلنت بذلك أن الذي جاء بها إلى سليمان - من بلادها - مسلمة طائعة، ما كان قد حصل لديها من العلم بما عند سليمان من قوى خارقة وملك عظيم، وأنه مؤيد بما لم يؤيَّد به ملك آخر.

    إنها امرأة ذات عقل راجح، وفطنة عالية، ولديها استعداد سريع لإِدراك الحقيقة والإِيمان بالله العلي القدير، إلا أن وجودها في بيئة كافرة - اعتادت أن تعبد من دون الله - هو الذي كان قد صدّها عن إدراك الحقيقة والإِيمان بها: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}.

    ثم دُعيت إلى دخول الصرح الذي أعدَّ لها:

    "قيل لها: {ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}.

    قال سليمان لها: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}.

    وهنا أدركت أن ذكاءها البالغ قد خانها في هذه اللحظة، إذ امتحنت بأمر لم يسبق لها فيه ملاحظة أن تجربة، فأعلنت إيمانها مع سليمان لله رب العالمين.

    "قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].

    -5 ومن الأحداث التي جرت لسليمان عليه السلام مروره على وادي النمل، وذلك ما تضمنه قوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 17-19].



    فهذه القصة تتضمن أن الله خلق في هذه النملة قوة إدراك أدركت به مرور سليمان وجنوده في الوادي، فأمرت سائر النمل بدخول مساكنهم خشية أن يحطمهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، إذ لا غرض لهم بتحطيمهم، إنما هم قوم يجتازون في طريقهم، وكان ذلك هبة خاصة اختص الله بها وادي النمل هذا من دون سائر النمل.

    وسمع سليمان قول النمل بما آتاه الله من معجزات، فتبسّم ضاحكاً من قولها، وتأمل في ما آتاه من نعمة الرسالة، ونعمة الملك، ونعمة اختصاصه بكثير من المعجزات، فدعا الله أن يُوزِعه - يلهمه - أن يشكر نعمته التي أنعم بها عليه وعلى والديه، وأن يعمل عملاً صالحاً يرضاه، وأن يدخله برحمته في عباده الصالحين.

    -6 وقد تعرض القرآن الكريم لحادثةٍ جرت لسليمان عليه السلام، تتصل باهتمامه بإعداد خيول الجهاد في سبيل الله وإشرافه عليها، لأن الخيول كانت من أعظم وسائل القتال قبل وجود هذه الآليات الحربية الحديثة.

    وخلاصة هذه الحادثة: أنه عليه السلام كان قد أمر بإعداد مجموعة كبيرة من خيول الجهاد، ثم أراد أن يشاهد ما بلغت إليه هذه الخيول وفرسانها من قوة وترويض، فعقد لذلك مشهداً في عشية يوم من الأيام، فعرضت عليه مجموعة الخيول بكامل عدتها الحربية، فسره مرآها، وأعجبته كثرتها وقوتها. ورأى جنود سليمان وخاصته إعجابه بهذه الخيول وحبه لها، وإقباله على اقتنائها ورياضتها، فقال مبيناً سرّ ذلك: "إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي"، أي: إنني ما أحببت هذه الخيول تلبية لشهوة من شهوات النفس، ولا تحقيقاً لغرض من أغراض الدنيا، وإما أحببتها ابتغاء تقوية دين الله، ونشر الحق والخير. وإذا كان أناس يحبون أشياء من مظاهر الدنيا حب الشر، ورغبة في تلبية المطالب الدنيئة للأَنفس، فإني أحببت حب الخير، ورغبة بتحقيق طاعة الله تعالى. ثم إن هذا الحب ليس أثراً صادراً عن النفس التي تدفع كثيراً من ذوي السلطان إلى الظلم والعدوان، وبسط النفوذ على الشعوب لأغراض دنيوية، ولكنه أثر صادر عن ذكر الله تعالى، وذكر الله يدفع المؤمن إلى السعي في طاعته، والعمل ابتغاء مرضاته، وإن من طاعة الله تعالى الإِعداد للجهاد في سبيل نشر دينه.

    ثم أمر عليه السلام بإجرائها فانطلق بها فرسانها من الجهة التي هو فيها، وتابعها النظر "حتى توارت بالحجاب" أي غابت عن بصره، ثم قال: "ردوها علي"، فلما وصلت إليه، وسرّه منظر صلفها وقوتها، وأعجبه ترويضها، أقبل عليها وطفق في تواضع كريم يمسح بيده سوقها وأعناقها تكريماً لها.

    وإلى هذه الحادثة أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ* فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص: 30-33].



    -7 وقد تعرض القرآن الكريم لقصّة فتنة سليمان، وإلقاء الجسد على كرسيه، وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 34-35].



    ولم يثبت بخبرٍ صحيح الأمر الذي فتن الله به سليمان، ولا المراد من قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}. وقد ذكر المفسرون عدة وجوه يحتملها النص، ولكن لا سبيل إلى الجزم بواحد منها، ولأهل الحشو حول ذلك قصص لا أصل لها&#33; وعليه فنحن نفوض الأمر إلى الله تعالى حتى يأتينا ما يكشف لنا المراد بوضوح.

    وقد استأنس بعض المفسرين في شرح المراد من هذه الآية بما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن سليمان قال:

    لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون.

    قالوا: فلعل المراد من فتنة سليمان ابتلاؤه بما آتاه الله من ملك عظيم، ونساء كثيرات حرائر وإماء، وتمنيه أن يكون له من صلبه أولاد كثيرون يقاتلون في سبيل الله، ويوطدون دعائم الدولة الربانية، ونسيانه تعليق ذلك على مشيئة الله تعالى، وذلك إذ أخذ على نفسه أن يطوف في ليلة واحدة على عدد كبير من نسائه، تأتي كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله، وتجاوز بذلك حدود بشريته، ونسي أن يفوض تحقيق الأمر إلى مشيئة الله تعالى، فجوزي على هذا بأن النساء اللواتي طاف عليهن لم يحملن منه إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. قالوا: فلعل هذا الشق هو المراد من قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا }، فلما رأى سليمان ذلك رجع إلى ربه وأناب، وقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}. وبذلك فوض أمر توطيد الملك - الذي لا ينبغي لأحد من بعده - في مملكته الربانية إلى الله تعالى، لا إلى المجاهدين في سبيل الله من أولاده.

    -8 وقد تعرض القرآن المجيد أيضاً لقصّة موت سليمان عليه السلام، وبعض الملابسات التي رافقت ذلك، فقال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].



    المنسأة: العصا.

    فهذا النص القرآني يدلّ على أن سليمان عليه السلام قضى الله عليه الموت فمات، وبقي أمر موته مجهولاً، وأنه كان قبل موته متكئاً على عصاه، فلما مات بقيت العصا هي الحافظة لتوازن جسمه من أن يخرّ.

    لبث هكذا حتى جاءت دابة الأرض - قالوا: وهي الأرضة - فأخذت تأكل عصاه، إلى أن ضعفت العصا بتأثير الأرضة عن حمل جثة سليمان، فانكسرت فخرّ جسمه على الأرض، عند ذلك علموا موته، وأقبلوا عليه ودفنوه، وظهر لهم بعد البحث أن الموت قد حصل من زمن غير قصير. ولما رأت الجن - المسخرون لسليمان بالأعمال الشاقة من كل بناء وغواص - ذلك تبينوا أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين هذه المدة الواقعة ما بين موته وعلمهم به&#33;&#33;

    والذي يظهر: أن سليمان عليه السلام كان إذا دخل محرابه وخلا لنفسه، واعتكف لعبادة ربه، لم يستطع أحد أن يدخل عليه - سواء كان من أهله أو من غير أهله، وسواء كان من الإِنس أو من الجن - حتى يأذن له. وذلك بما وهبه الله من هيبة وسلطان في الملك، وما يعلمون عنه من معجزات وخوارق عادات، وقوى نافذة يستطيع أن يسخر بها الجن والطير، والريح الرخاء والريح العاصفة، وبخاصة بعد أن استقر ملكه، وتمرس به نوَّابه، وكبرت سنه، وصار ميّالاً للخلوات، يعبد فيها ربه، ويتجرد فيها من كل علائق الدنيا. وأما طعامه وشرابه وحاجاته فإنهم يعلمون أن ذلك أيسر ما في الأمر عليه، فلا يضعونها في حسابهم، بل يفوضون له الأمر، حتى يأمر بشيء منها.

    وبهذا التحليل تُدفع طائفة الإِشكالات التي قد تخطر على البال حول كيفية بقائه مدة من الزمن ميتاً، وهو ملك البلاد دون أن يعلم بذلك أهله وخاصته، والجن والشياطين المسخرون للعمل بأمره. والله أعلم.</div>
    ضع أحلامك، كل أحلامك، أمام عينيك وظللها بالثقة بالله أنها ستتحقق،
    ثم دعها ولا تجهد تفكيرك بها، دعها فأنت أودعتها تحت إرادة وقدرة الله بكل ثقة، صدقني ستبهرك النتائج
    قال صلى الله عليه وسلم " إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه عز وجل
    هنيئاً لنا برب يجيبنا مهما أسأنا ويرحمنا مهما قست قلوبنا ويسمعنا أينما ابتعدنا ويرانا أينما ذهبنا ويستجيب كلما طلبنا

  2. #26
    عضو جديد
    تاريخ التسجيل
    20 - 12 - 2003
    الدولة
    دنيا الواقع مملؤه بالخيال
    المشاركات
    875
    معدل تقييم المستوى
    746

    افتراضي

    <div align="center">شعيب علية السلام


    شعيب في قومه
    قلَّما اختلف المؤرخون والمفسِّرون في شخصيَّة نبيٍّ ونسبه، اختلافهم في النبي شعيب.

    فهو شعيب ابنُ توبَةَ، عند بعض المفسرين...

    وشعيب ابنُ أيوبَ، عند بعض المؤرِّخين...

    وشعيب ابن ميكيلَ، عند قومٍ آخرين...

    قيل: أُرسِل مرَّةَ،... وقيلَ: بل مرَّتين: إلى أهلِ مَدْينَ، وإلى إصحاب الأيكة.. وأهلُ مدين عربٌ، كانوا يقيمون في أرضِ معانَ من أطرافِ الشَّام.

    أما الأيكة، ففيها اختلاف أيضاً، ويرجَّحُ بأن تكون بلدةَ (بليدا) في جنوبي لبنان،- كما مرَّ معنا، آنِفاً، في قصة النبيِّ موسى(عليه السلامُ)-.

    وكان أهلُ مدينَ يعتمدونَ التِّجارة موردَ رزقٍ لهم، وسبيلَ عيش وحياةٍ، فكانت تدر عليهم خيراً وفيراً ولكنَّهم، لم يُراعوا حقوقَ الله في تجارتِهم، هذه، إذ كانوا لايوفون كيلاً ولا ميزاناً، وكانوا يبخَسونَ الناسَ أشياءَهم، ويعيثون في الأرضَ فساداً..

    فتبرَّأ شُعيب من هؤلاءِ المفسدين.. فما هَكذا أمَرَ الله الناسَ به في معاملاتٍ فيما بينهم، وفي عباداتٍ&#33;..

    إنْ هؤلاءِ القومُ إلاَّ في ضَلاَلٍ مبين&#33;..

    واعتزَلَ شعيبُ قومَه متأمِّلاً خلق السموات والأرضِ، فهدتْه الفِطرَةُ إلى إلهٍ واحدٍ فآمنَ به، وأسلم إليه وجهَهُ، بعيداً عن قومِهِ الذينَ يَظْلمون الناس، وأنفسَهم، معاً...

    وقذفَ الله النورَ في قلبِهِ فملأهُ إيماناً ويقيناً.. ثم، ما لبثَ أن أرسلَه إلى قومِهِ، نبيّاً، يدعوهم إلى صراطِ العزيز الحميد&#33;..

    ويروي بعضُ كبارِ المفسرينَ بأن شعيباً كان كثيرَ الصَّلاةِ، فهي السَّبيلُ إلى الله، وهي حبلُه المتين، وهي الصِّلة الوثقى بين أرضٍ وسماءٍ&#33;.. وكثيراً ماكان يقول:

    - "إن الصَّلاةَ رادعةٌ عن الشرِّ، ناهيةٌ عن الفحشاءِ والمنكَرِ، والصَّلاة هي الدين&#33;.."

    وبهذا المعنى ذاتِه، حتى الألفاظ نفسها، تَتَالَتْ آياتُ جَمَّةٌ من القرآنِ الكريمِ..

    يضافُ إلى ذلك، أنَّ شعيباً كان في عزٍّ من قومِهِ وعشيرته،... فما من نبيٍّ، بعدّ لوطٍ، إلاَّ وهوَ عزيزٌ في قومِهِ، منيعٌ في عشيرتِهِ...

    شعيب النبي

    ابتدأ شعيب دعوته بالتقرُّب إلى قومه، محاولاً استمالةَ قلوبِهم، مذكِّراً إيَّاهم بما تربطه بهم من أواصرِ قربى، وروابطِ دمٍ&#33;. فتلطَّف إليهم بالقول الجميلِ، والحوارِ اللَّطيف،... ولمَّا أنِسَ منهم ميلاً إليه، أعلنَ فيهم نبوَّتَه، وشَهَرَ بينهم دعوتَه،...

    أما عنوان هذه الحركة المباركة، فكان: الإصلاح&#33;. فهو لايبتغي عن الإصلاحِ بدلاً، ولايرضىَ عنه حِولاً&#33;..

    وأخذ يذكِّرهم بأنْعُمِ الله عليهم:

    فهم في غنىً بعد فقر، وفي كثرةٍ بعد قلَّةٍ، وفي قوَّةٍ بعد ضعفٍ، وفي عزٍّ بعد وهنٍ، وفي أمنٍ بعد خوفٍ، كما كان يخوِّفُهم عذابَ الله وانتقامَه، وبطشَه الشَّديد.. فلم يجد أذناً- لِمَا يقولُ- صاغيةً، ولاعقولاً- لما يعرضُ عليهم- واعيةً.. بل أنكروا عليه دعوتَه، وامتلأت قلوبهم حسداً له، وَوَجْداً (أي: حقداً) عليه..

    فما لهذا النبي ينهاهم عن الرِّبح السريع، لايكاد يحسُّ به أحدٌ، في تطفيف مكيالٍ وميزانٍ.. ويدعوهم إلى عبادة إلهٍ، لاعهدَ لهم، ولا لآبائِهم، بهِ، من قبل؟.. إنْ يقولُ إلاَّ افتراءً وبُهتاناً.. وما هو -بزعمِهم- إلاَّ ساحرٌ كذَّابٌ&#33;..

    وهذه -كما نرى- مقولةُ من سبقَهم، ومن تلاهم، من الكفرةِ الملحدين، الَّذين أعمى الله أبصارهم، وجعل في آذانهم وقراً (أي: ثقلاً في السمع، كالصمم)، وعلى قلوبهم أكنَّةً (أي: أغشيةً، ج. غشاء)، فهم لايفقهون&#33;..

    شعيب يُحَاجُّ قومهُ، وينذرهم

    ولجأ شعيبٌ إلى الحجَّةِ يقارع قومه بها. ويدحضُ افتراءاتِهم، ويُبطِلُ دعاواهم..

    وكان نبيُّ الله شعيبُ خطيباً بارعاً، ومُفَوَّها بليغاً، يتفجَّرُ لسانُه بالحكمِة، تصدُرُ عن قلبٍ يفيضُ بها، كالينبوع الدافق، لاينضبُ له معينٌ، ولاينقطعُ عن عطاءٍ&#33;.

    فقد "كان شعيبٌ خطيبَ الأنبياءِ" كما ينعتُهُ بذلك خاتمُ الرسل والأنبياء، محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

    ولنتأمَّل هذا الحوار الطَّويل، يدورُ بينَ شعيبٍ وقومِهِ، على امتداد ساعاتٍ طوالٍ.، في نادي مدين، وقد ازدحم فيه خلقٌ كثيرٌ..

    ولَعمري، إنه لَحوارٌ يجعلنا نُلمُّ بدعوة شعيبٍ جملةً وتفصيلاً،.. ويلقي الضوءَ على فكرٍ له نيِّرٍ، وقلبٍ، له، كبيرٍ، فهو مسدَّد في قوله، مصيب دائماً، وهو محاورٌ بارعٌ، ومناقشٌ لَبِقٌ، له في الحوارِ، أخذاً وعطاءً، باعٌ طويلٌ&#33;..

    - ياقومُ&#33;.. لقد أرسلني الله تعالى إليكم، داعياً إياكم إلى عبادتهِ.. فهو الذي خلَقَكم وخَلَق آباءَكم الأوَّلين، وهو المُحيي والمميت، والمبدئُ والمعيد. ربُّ العرشِ العظيم.. فآمنوا به، ودعوا ما أنتم فيه من ضلالٍ مبين&#33;..

    أنظروا إلى خلق السّموات والأرض،.. وانظروا إلى خلقِ أنفسكم،.. تجدوا أنّ وراء ذلك خالقاً قديراً، ومدبِّراً عليماً.. فإيّاه اعبدوا، وعليه توكّلوا، ولاتدعو إلاّ إيّاه إن كنتم مؤمنين&#33;..

    - وبم جئتنا به، غيرَ ذلك، في شريعتك، ياشعيبُ؟.

    - ياقومُ&#33;.. إني أراكم بخيرٍ: مالٌ وفيرٌ، وزينةُ دنيا، ورخص أسعار&#33;. فأوفوا الكيل والميزان، وأدّوا حقوق الناس على التّمام، في المعاملات، ولاتبخسوهم أشياءهم،..

    ألا ترون أنكم أذ تطفّفون (أي: تنقصون) الكيل والميزانَ، على النّاس كأنّكم تسرقون ماليس يحلُّ لكم.. وتخونون ما أنتم عليه مؤتمنون؟ أو ترضون لأنفسكم، من تطفيف كيلٍ وميزانٍ، مارتضيتموه لغيركم؟..

    - لا، ياشعيب&#33;..

    - فلم الظلم إذاً، وأكلُ حقوق النّاس بالباطل؟

    - إنّها التجارة، ياشعيب، والرّبح- أو ليست التجارة باباً من أبواب الرِّبح الوفير؟

    - بلى، إنها لكذلك،.. ولكن، ضمن مبدأين: صدقِ المعاملةِ، والأمانةِ.. فإن كذبتم، في تجارتكم، وخنتم في معاملاتكم، تحوَّلَت تجارتكم إلى لصوصيَّة وغدرٍ.

    - أو لاترى ياشعيب، بأنّنا إن تحوّلنا عمّا نحن فيه، في معاملاتنا التجاريّة، مع الآخرين، إلى ماتدعونا إليه، قلَّ حظُّنا من الرّبح، وشحَّ رزقُنا؟..

    - هذا ظن الذين كفروا بربَّهم، واستحبُّوا الحياة الدُّنيا على الآخرة.. فالله هو الرزَّاقُ ذو القوّة المتينُ، وهو الكفيل - وأنا بذلك زعيم (أي: ضامن)- بأن يمدَّكم، إن اتّبعتم سبيله، بخير الدنيا ونعيم الآخرة... بقيَّةُ الله خيرٌ لكم، إن كنتم تعلمون&#33;.

    - لانفهمُ ياشعيب ماتقول&#33;.

    - أقول: اتَّقوا الله يؤتكم من لدنْهُ رزقاً حسناً، وابتغوا عند الله الرِّزقَ، ولاتكونوا من المطفِّفين.

    ثم، إنّ التجارة بابٌ من أبواب المعاملات، عريضٌ، كما تعلمون،.. والمعاملةُ أخلاقٌ قبل أي شئٍ آخر&#33;.

    ويقطع الحوارَ صوتُ شيخٍ مهيبٍ، أجشُّ، وقد ضاق بهذا الحوار ذرعاً:

    - أصلاتُك تأمرك بذلك ياشعيب؟ أو تريدُنا أن نترك ما كان يعبدُ آباؤنا من قبلُ، وما نشأ عليه، من بعدِهم، صغارُنا،.. ونَغُلَّ أيدينا عن حرِّيَّة التصرُّف بأموالنا، نفعلُ بها مانشاء؟..

    الصلاةُ: هي الدين، وهي عبادةُ ربِّ العالمين.. وما أعبدُ إلاَّ الله فاطِرَ السَّموات والأرضٍ والخلقٍ أجمعين.. وما عدا ذلك فكفرٌ وبهتان.. وضلالٌ وخسران..

    أما المال، الحق فهو مانالته أيديكم من وجهٍ طيّبٍ، ورزقٍ حلال.. أمّا ماطالته أيديكم بالمكر والخديعة، والكذب والخيانة، فهو سحتٌ وحرام.. فاتّقوا الله، واعلموا أن الحياة لاتدوم، وكلنا إلى الموت صائرون&#33;..

    والمالُ ظلٌ زائلٌ، وبهرجٌ حائلٌ..

    فكم من غني ممسٍ أصبح مفتقراً&#33;..

    وكم من فقير مصبحٍ أمسى ثرياً&#33;..

    - كنَّا نَعُدُّك بيننا الحليمَ الرَّشيد، ومانراك الآن كذلك يا شعيب&#33;..

    - ياقوم&#33;.. أرأيتم إن آتاني الله النبوَّةَ، والهدايَة، ووسّع عليّ من لدنه رزقاً كثيراً،.. فهذا من عميم فضله، وواسع رحمته.

    وأنا - كما ترون- أطلب من نفسي ما أطلبه منكم.. آمراً إيّاها بما آمركم به، وناهياً إياها عمّا أنهاكم عنه...

    فمن جرّب عليَّ، منكم، قولاً لم أفعله، أو دعوةً لم ألزم بها نفسي، أوّلاً،..؟

    {إن أُريدُ إلاّ الإصلاحَ ماستطعتُ وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلتُ وإليهِ أنيبُ}

    وإنّ أخوفَ ماأخافُ عليكم، أن تُمعنوا في شقاقكم، وتسدُروا في غيِّكم وضلالكم، وتحملكم عداوتي على مخالفة ربّكم، فيصيبكم مثل ما أصابَ الّذين من قبلكم:

    فهؤلاء قومُ نوحٍ- كما تواترت عنهم الأنباء والأخبارُ- قد أخذهم الطوفانُ فأصبحوا غرقى..

    وقومُ هودٍ، وقد أرسلَ الله عليهم الرّيح العقيم فأصبحوا في ديارهم جاثمين..

    وقوم صالحٍ، زلزل الله الأرض بهم، فأصبحوا أثراً بعد عين..

    وما لي أذهبُ بعيداً في التّاريخ السحيق.. فهؤلاء قوم لوطٍ، أقربُ الأمم إليكم داراً ومكاناً، وأحدثهم بكم عهداً وزماناً، وقد جعل الله عالي أرضهم سافلها، فلا تُرى لهم أوطانٌ&#33;..

    ويتدخَّلُ في الحوار بعضُ الفتيان، وقد بانت سواعدُ لهم مفتولة..

    {قالوا: ياشيعبُ مانفقهُ كثيراً ممّا تقول، وإنّا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}

    وينتفضُ شعيب في وجوه هؤلاء الفتيان الحَمقى..

    لقد انقطعت حجَّة الشيوخ المحنَّكين، فقطع هؤلاء الأغرار. الجهّالُ بعنجهيّتهم، وغرورهم نقاشاً مفيداً، وحواراً يوضح الحقائق، ويجلو الشُّبُهات..

    - ويحكم.. أعشيرتي وقومي، أعظمُ حرمةً لديكم من الله الذي {اتَّخذتموه وراءكم ظهريَّا}؟ أو لأجل عشيرتي تمتنعون عن أذاي؟ فهلاَّ كان ذلك ابتعاءَ وجه الله؟ فانتظروا أمر الله، {وارتقبوا إني معكُم رقيبٌ}.

    [قال علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "ماأحسن الصبر وانتظار الفرج&#33;.. أما سمعتَ قولَ العبدِ الصالح: "وارتقبوا إني معكم رقيب"؟]

    وتعلو أصوات كالهدير:

    - {قالوا إنّما أنت من المسحّرين. وما أنت إلاّ بشرٌ مثلنا وإن نظنُّك لمن الكاذبين. فأسقط علينا كسفاً من السّماءِ إن كنتَ من الصّادقين}

    {قال ربّي أعلمُ بما تعملون}.

    وهكذا لم تغن بلاغةُ شعيب، وفصاحةُ منطقِه، وبيانُ حُجَّتِهِ، عنهُ، شيئاً&#33;.. فقد انتهى وقومّهُ إلى ما ابتدأوا به من حوار.. فكلٌّ على موقفه ثابت لايتزحزحُ عنه قيد أنملة.. وليت الأمرَ توقف عند هذا الحد.. وليتَ السِّتارَ أُسدل على هذا المشهد&#33;..

    شعيب يُخرجه قومه

    لقد تأكّد لقوم شعيب مايمثّله عليهم نبيُّهم المرسَلُ إليهم، من خطرٍ.. فدعوته تقلبُ في حياتهم الموازين والمقاييس كلّها&#33;..

    يضافُ إلى ذلك، نفرٌ من بينهم، مالوا إلى شعيبَ، مؤمنين برسالته، مصدِّقين دعوتَه فأحاطوا به، ونصروه، ومنعوه..

    والأدهى من ذلك مايمكنُ إن يستميلَ شعيبُ من أناسٍ، فيتعاظمُ شأنُهم، فيما بعدُ، ويتفاقَمُ خَطرُهم،.. وفي ذلك زوالُ سلطانِهم وجبروتِهم، واستكبارهم في الأرض، بغير الحقِّ&#33;.. فليضايقوه، والّذين معه، إذاّ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً...

    - {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنُخرجنَّك يا شعيبُ والّذين آمنوا معك من قريتِنا أو لتَعودُنَّ في ملَّتنا}

    إنّه الأسلوب الذي يلجأ الكافرون إليه دائماً عندما ينهزمون أمام نور الحقِّ، ودعوة الإيمان..

    القوّةُ&#33;.. القوَّةُ&#33;.. فالقوهُ معقِلُهم الأخيرُ، ونهايةُ المطاف، عندما يبطل عمل العقل، وتبيان المنطق، والحجّة المشرقة، على الحوار السليم&#33;..

    وهكذا، فالحلُّ كما ارتآه قومُ شعيب، أحّدُ اثنين:

    - إمّا أن يخرج شعيبٌ من بين أظهرهم، فيستريحون من هذا الدَّاعية الذي لايَفترُ له لسانٌ، ولاينقطعُ له برهان..

    - وإمّا أن يعود شعيب، والذين آمنوا، معه، في ملّتهم، ودين آبائهم وأجدادهم...

    ولكن، هيهات.. هيهات...

    فهم يعلمون جيداً بأن شعيباً لايمكن له أن يعود إلى حظيرة الكفر، بعد أن أُترع قلبُه إيماناً، وبصيرتُهُ نوراً.. فمتى كان الّذي يحيا في لُجج الضياء يرضى بالانقلاب إلى غياهب الظّلماء؟..

    - أتُكرهوننا على العودة إلى ماأنتم في حمأته، من زور وضلال، وبهتانٍ وكفرانٍ؟.. فمتى كان أنبياءُ الله، ورسلُه، ينصاعون لمطالب السُّفهاء الفاسقين، والعُتاة المتجبِّرين؟ أو سمعتم بنبيٍّ أرسله الله إلى قومه مبشراً ونذيراً، ثم انكفأ، مُنقلباً على عقبيه، نابذاً رسالة السَّماء، متنكراً لما أوحى الله تعالى به، إليه؟..

    - ياشعيب، لقد جادلْتَنا فأطَلتَ جدالنا، ومالك علينا من سبيلٍ.. فاختر أحد ما عرضناه عليك، ولاتطلبنّ منا سواهما شيئاً:

    فإما أن تخرج، ومن اتّبعك، من قريتنا، أو أن تبقى بيننا، على ملّة آباءٍ لنا وأجدادٍ..، وبذلكَ نحافظ على وحدةِ كلمتِنا، ولمِّ شعثِنا، بعد أن فرَّقتَ جماعتَنا، وبلبَلْتَ مُجتمعَنا، بما بثَثْتَ فيه من آراء فاسدة، وفكر غريب&#33;..

    - ياقوم، اتّقوا الله، ولاتأخذكم العزَّة بالإثم، والإصرار على الضَّلال.. ولايكن ضعفي، وقلَّةُ أنصاري سبباً لتجبُّركم، وبغيكم، واجتماعكم على باطلكم.. إنّ الرسول لايفتري على الله كذباً، بعد أن نجّاه الله، خاصة، من مهاوي الضَّلال، ومزالق الفساد، والغيِّ الأثيم&#33;..

    - ياشعيبُ، إنّك لتقول ذلك، على ما أنتَ فيهِ من ضعفٍ، وقلّة حيلةٍ، وأنصارٍ،.. فكيف يكون شأنُك لو كنت فينا عزيزاً مُهاباً، مُؤيّداً، منصوراً؟..

    {وإنّا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز. قال ياقوم أرَهطي أعَزُّ عليكم من الله واتّخذتموه وراءكم ظهريَّاً إنّ ربّي بما تعملون محيطٌ}

    ويتابعُ شعيب:

    أو ماكان الأجدر بكم أن تراقبوا الله في ما تعملون وما تقولون؟

    فلله العزة جميعاً.. وله الكبرياءُ في السَّموات والأرض،.. ولكنّكم قومٌ لاتفقهون&#33;..

    وينفضُّ المجلسُ عن شعيبَ ومن اتَّبعه، وهم قليل... وأهل مدينَ الّذين جمعوا كيدّهم، وأتوا به شعيباً... وأتمروا فيما بينهم:

    ما العملُ حتى يخرجَ شعيبُ من بيننا، بهدوء...؟..

    قالوا: ضيّقوا عليه، وحولوا بينه وبين قاصديه من أنصار وأتباع، واقطعوا عليهم كلّ سبيلٍ&#33;..

    وهكذا ضيّقوا على شعيبٍ كلَّ مجالٍ، وأخافوا أنصاره، وتهدّدوا أتباعه، فلم يثبت على الحقِّ، منهم، إلاّ القلّةُ، ممّن امتحنَ الله قلوبهم للإيمان، فصبروا، وقاوموا باصرار المستميت، فلم يهنوا، ولم يتخاذلوا.. وهم يقولون: حسبُنا الله، هو مولانا، نعم المولى، ونعم النَّصير&#33;..

    ورأى شعيبُ أنَّ من واجبِه أن ينهى قومه عمّا أزمعوا عليه من كيدٍ وأذىً، معذرة إلى الله، لعلّهم ينتهون...

    فوقف فيهم- كعادته- خطيباً، فليس بعد اليوم لمعتذرٍ عذرٌ:

    - ياقوم.. لاتغرَّنّكم كثرة عددكم، فإنّها لن تغني عنكم من الله شيئاً... وتفرُّقَ الناسِ عني، فالنَّاسُ أعداءُ ما جهلوا..

    ولاتصرُّوا على ماأنتم عليه من اعوِجاجٍ، تبغون إفسادَ من أراد الله إصلاحه، فتحولوا بيني وبين المؤمنين، وتقطعوا عليهم الطريق إلى الله،... تبغون السبيل عوجاً عن الحقِّ، وزيغاً عن الهدى،.. فلا تستقيمون.. ولاتدعون لغيركم أن يختار لنفسه أن يستقيم&#33;.. فاتّقوا الله، ولاتصُدُّوا عن سبيله من آمن... واعلموا أن كيد الله متينٌ، وأخذه شديدٌ... فهو الذي أهلك من قبلكم، وكانوا أشدَّ منكم قوةً، وأكثر أموالاً، وأطول آجالاً.. فهل أنتم منتهون؟..

    وانهالَ قومُ شعيبٍ على نبيِّهم تكذيباً.. وهبُّوا في وجهه يسفِّهون رأيه، وينعتونه بكل إفك وبهتانٍ..

    فانصرف عنهم وهو يقول:

    - { على الله توكّلنا، ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقِّ وأنت خيرُ الفاتحين}

    ونفض نبيُّ الله شعيب، كلتا يديه، من إصلاح هؤلاء القوم الفاسقين، الّذين ركبوا هواهم، فكان أمرُهم شططاً..

    ودعا عليهم بالعذاب الأليم، بعد أن كذَّبوا بآيات الله، واستحلّوا ماحرّم الله، وصدّوا عن سبيله، وقد زيّن الشيطان لهم أعمالهم، فتنكبُوا عن السبيل الأقوم والتمسوا لأنفسهم الزّيغ، واستحبُّوا العمى على الهدى&#33;.

    وأوحى الله تعالى إلى نبيِّه، أن قد سمع الله دعاءك.. فاخرُج بمن اتّبعك من ديار الفاسقين، إنّه آتيهم غداً، عذابٌ غيرُ مردود&#33;..

    وخرجَ شعيبُ والذين آمنوا، معه،..

    وخُيِّلَ للقوم المفسدين بأن شعيباً اختارَ لنفسه السَّلامة، فأزمعَ على الهجرةِ بمن اتَّبعه، وظنوا - واهمين- بأنهم قد استراحوا، وإلى الأبد، من هذا الدّاعية الملحاح، والخطيب المفوَّه الّذي لايُشقُّ له في مضمار البلاغة، غبارٌ... فتنفّسوا الصُّعداء&#33;..

    العـــذاب

    وماهي إلاّ ليلة حتى دهمهم العذابُ..

    فابتلاهم الله بالحرِّ الشديد، فكادت تزهق منه أنفاسهم.. فدخلوا، يُهرعون، إلى أجواف بيوتهم، وسراديبِ منازلهم، فلاحقهم الحرُّ إلى بيوتهم، والسّراديب..

    وظمئوا ظمأً شديداً... فخرجوا إلى ظلال الأشجار، وضفاف الأنهار.. فلم يمنعهم الحرّ ظلٌّ وارفٌ.. ولم يرو ظمأهم ماءٌ دافقٌ.. فللشمس أشعّة كسهامٍ من لهب.. وكأنّها فوق رؤوسهم قدرُ باع.. فيتململون تململاً شديداً ويضطربون كلَّ اضطرابٍ، فأينَ المفرّ؟.. وقد برَّحت بهم الرمضاءُ تبريحاً..

    ويذكرون نبيَّهم شعيباً،.. ويستعيدون صورته، وصوتَه، بينهم خطيباً مرشداً،.. فها قد أتاهم، من العذاب، ماكانوا به يستهزئون&#33;. فيندمون، ولات ساعة مندم&#33;..

    ويطلبون شعيباً، لعلَّه ينجّيهم مما هم فيه من تعذيب.. فلا يقعون له على أثر.. ويهرولون مذعورين في كلّ اتجاه.. يطلبون لأنفسهم النّجاة.. فكأنّ السّماء تصبُّ فوقَ رؤوسهم حِمَماً، أو ترجمهم بشواظٍ من نارٍ، وسعيرٍ ليشوي جلودَهم، والوجوه...

    وبينما هم كذلك، في العذاب، لايستقرّون،.. وإذا بسحابةٍ بعثها الله إليهم، فيها ريح طيِّبة،.. وقد أخذت تنبسطُ في الجوِّ، وتمتدُّ طولاً وعرضاً..

    فوجدوا فيها ضالّتهم المنشودة، فلعلّها تنجّيهم ممّا وقع بهم.. وتنادُوا فيما بينهم: هلمُّوا إلى البرَّيَّة، حيث السَّحابة، فاستفيئوا ظلّها.. فتداعوا إلى ظل الغمامة، لاهثين، من كلّ صوبٍ يُهرعون..

    ولمّا اجتمع شملُهم في البرِّيَّة،.. وتكاملَ عددُهم تحت الغمامة،.. الهبّها الله عليهم ناراً.. وأتتهم صيحةٌ من السَّماء انخلعت لها أفئدتهُم.. وزُلزلت الأرض تحت أقدامهم زلزالاً عظيماً.. فأصبحوا على وجه الثرى خامدين&#33;..

    وكان شعيبُ والّذين آمنوا معه، يشاهدون ماحلَّ بقومهم، من بعيد.. فحمدوا الله، إذ لم يكونوا معهم، في العذاب، مشتركين&#33;.

    وعاد شعيب، إلى قومه، بعد حين، مثقلاً بالحزن المبرّح، والأسى المُمضِّ، الشديد،.. فإذا بهم صرعى، خامدون&#33;..

    {فتولِّى عنهم، وقال: ياقومِ لقد أبلغتُكُم رسالات ربّي، ونصحتُ لكم فكيف آسى على قومٍ كافرين}

    صدق الله العلي العظيم</div>
    ضع أحلامك، كل أحلامك، أمام عينيك وظللها بالثقة بالله أنها ستتحقق،
    ثم دعها ولا تجهد تفكيرك بها، دعها فأنت أودعتها تحت إرادة وقدرة الله بكل ثقة، صدقني ستبهرك النتائج
    قال صلى الله عليه وسلم " إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه عز وجل
    هنيئاً لنا برب يجيبنا مهما أسأنا ويرحمنا مهما قست قلوبنا ويسمعنا أينما ابتعدنا ويرانا أينما ذهبنا ويستجيب كلما طلبنا

  3. #27
    عضو جديد
    تاريخ التسجيل
    20 - 12 - 2003
    الدولة
    دنيا الواقع مملؤه بالخيال
    المشاركات
    875
    معدل تقييم المستوى
    746

    افتراضي

    <div align="center">سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم


    هو خاتم رسل الله وأنبيائه، وقد أرسله الله إلى الناس كافةً، برسالةٍ عامةٍ شاملةٍ.
    قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40].

    وقال تعالى خطاباً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].



    نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم:

    هو سيدنا محمد، واسمه في الإِنجيل أحمد.

    -1 ابن عبد الله، وهو أصغر أولاد عبد المطلب العشرة.

    -2 ابن عبد المطَّلب - واسمه شيبة الحمد لأنه ولد وله شيبة - وإنما قيل له: عبد المطلب، لأن عمه المطَّلب أردفه خلفه وكان بهيئة رثة لفقره، فقيل له: من هذا؟ فقال: عبدي، حياء ممن سأله&#33;&#33;

    -3 ابن هاشم - واسمه عمرو - وسمي هاشماً: لأنه خرج إلى الشام في مجاعة شديدة أصابت قريشاً، فاشترى دقيقاً وكعكاً، وقدم به مكة في الموسم، فهشم الخبز والكعك، ونحر جُزُراً وجعل ذلك ثريداً، وأطعم الناس حتى أشبعهم.

    -4 ابن عبد مناف - واسمه المغيرة - وكان يقال له: قمر البطحاء لحسنه وجماله، ومناف: اسم صنم.

    -5 ابن قصيّ - واسمه زيد - ولقب بقصي: لأنه أُبعد عن أهله ووطنه مع أمه بعد وفاة أبيه. ويقال له: مُجمّع لأن الله جمع به القبائل من قريش في مكة بعد تفرقها.

    -6 ابن كلاب - واسمه حكيم، وقيل: عروة - ولُقِّب بكلاب: لأنه كان يكثر الصيد بالكلاب.

    -7 ابن مُرّة وهو الجد السادس لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

    -8 ابن كعب وقد كان يجمع قومه يوم العروبة - أي: يوم الرحمة، وهو يوم الجمعة - فيعظهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وينبئهم بأنه من ولده، ويأمرهم باتباعه.

    -9 ابن لؤي ولؤي تصغير لأي، وهو الثور الوحشي.

    -10 ابن غالب.

    -11 ابن فهر وكان كريماً يفتش عن ذوي الحاجات فيحسن إليهم، وفهر: اسم للحجر على مقدار ملء الكف.

    -12 ابن مالك.

    -13 ابن النَّضْر وهو قريش فمن كان من ولده فهو قرشي، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي. والنضر في اللغة: الذهب الأحمر. وقيل: قريش هو فهر بن مالك.

    -14 ابن كنانة.

    -15 ابن خزيمة.

    -16 ابن مُدرِكة.

    -17 ابن إلياس وكان في العرب مثل لقمان الحكيم في قومه.

    -18 ابن مُضَر وكان جميلاً لم يره أحد إلاَّ أحبه، وله حِكَمٌ مأثورةٌ. والمضر في اللغة: الأبيض. ومضر من ولد إسماعيل باتفاق جميع أهل النسب.

    -19 ابن نِزار وكان أجمل أهل زمانه، وأرجحهم عقلاً. ونزار في اللغة مأخوذة من النزارة، وهي القلة.

    -20 ابن مَعَدّ وقد كان صاحب حروب وغارات، ولم يحارب أحداً إلاَّ رجع بالنصر. ومعدُّ: مأخوذ من تمعدد، إذا اشتد وقوي.

    -21 ابن عدنان.

    وعند عدنان يقف ما صحَّ من سلسلة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال: من ههنا كذب النسّابون.

    وكل هؤلاء الجدود سادة في قومهم، قادةً أطهاراً، ونسب الرسول صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب.

    ولا يختلف النسّابون في نسب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عدنان، وإنما اختلفوا من عدنان إلى إسماعيل، ومن المجمع عليه - الحقّ الذي لا ريب فيه -: أن نسبه عليه الصلاة والسلام ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

    وأمه صلى لله عليه وسلم: هي آمنة بنت وهبٍ بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.. وهكذا حتى آخر سلسلة نسب الرسول صلوات الله عليه، فتجتمع هي وزوجها عبد الله في كلاب.

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار.

    فعن العباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم، من خير قرنهم، ثمّ تخيَّر القبائل فجعلني من خير قبيلةٍ، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً".

    وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".



    حياته صلى الله عليه وسلم:

    -1 ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين (9) من شهر ربيع الأول عام الفيل، وذلك حوالي سنة (570م)، أي قبل الهجرة بنحو (53) سنة.

    -2 وتزوج بخديجة لما بلغ من العمر (25) سنة.

    -3 وأوحى الله إليه لما بلغ عمره أربعين سنة، وذلك حوالي سنة (610م).

    -4 وأمره الله بتبليغ ما أُنزل إليه بعد نحو ثلاث سنين من نبوته، فقام يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولبث يدعو إلى الله في مكة وما حولها نحواً من عشر سنين بعد بعثته، حتى أذن الله له بالهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة).

    -5 فهاجر إليها وجعلها مركز دعوته، وعاصمة دولته الدينية، دولة الإِسلام، وكان ذلك في 12 من ربيع الأول للسنة الأولى من حساب السنوات الهجرية، التي يوافق أولها (16 تموز 622م).

    -6 ولما أكمل الله للناس دينهم، وأتم عليهم نعمته، وأدى رسوله محمد صلوات الله عليه الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وفتح الله عليه بالنصر المبين، اصطفاه الله فقبض روحه، وكان ذلك في يوم الاثنين 12 من ربيع الأول لسنة 11 من الهجرة، الموافق (7 حزيران 632م). هذا ما عليه الجمهور، واستشكل كونه يومَ الاثنين إذ كان يوم عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة باتفاق فلا يكون الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين، وعليه فإمّا أن يكون الخطأ في تعيين اليوم، أو في تحديد التاريخ.

    -7 وأما سيرته وغزواته وسائر ما يتعلق بحياته فمبسوطة محققة في كتب السيرة النبوية، وقد تعرض القرآن الكريم إلى القسم الأعظم من حياته صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة، والعقيدة الإِسلامية التي نحن بصدد البحث فيها بأصولها وفروعها، هي الفلسفة الكاملة للجانب الإِيماني الإعتقادي مما جاءنا به هذا الرسول العظيم.
    </div>
    ضع أحلامك، كل أحلامك، أمام عينيك وظللها بالثقة بالله أنها ستتحقق،
    ثم دعها ولا تجهد تفكيرك بها، دعها فأنت أودعتها تحت إرادة وقدرة الله بكل ثقة، صدقني ستبهرك النتائج
    قال صلى الله عليه وسلم " إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه عز وجل
    هنيئاً لنا برب يجيبنا مهما أسأنا ويرحمنا مهما قست قلوبنا ويسمعنا أينما ابتعدنا ويرانا أينما ذهبنا ويستجيب كلما طلبنا

  4. #28
    عضو جديد
    تاريخ التسجيل
    12 - 4 - 2005
    المشاركات
    2,097
    معدل تقييم المستوى
    700

    افتراضي

    شكراً لك على هذا المشاركة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #29
    عضو جديد
    تاريخ التسجيل
    25 - 5 - 2005
    المشاركات
    1,651
    معدل تقييم المستوى
    694

    افتراضي

    جزاكي الله خير الجزاء

صفحة 5 من 5 الأولىالأولى ... 345

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
هذا الموقع برعاية
شبكة الوتين
تابعونا