كنت في تبوك ذات التاريخ العريق والحاضر المجيد

عبد الله بن حمد الحقيل


الرحلات من أوسع أبواب المعرفة والثقافة الإنسانية، ولقد سعدت في الأسبوع الماضي بزيارة لمنطقة تبوك بناء على دعوة من رئيس النادي الأدبي في تبوك الصديق الدكتور مسعد العطوي للمشاركة في الملتقى الثقافي الأول بتبوك، وهي مبادرة رائعة ومنجز ثقافي لإيجاد مثل هذه الفعاليات والملتقيات الفكرية المثرية للساحة الأدبية.. فتنظيم هذا الملتقى يدعم الحراك الثقافي ويعزز حركة البحث الأدبي وإثراء ثقافة الوطن ودعم الحركة الثقافية والأدبية في المملكة ورصد الواقع الثقافي.. ولتبوك عمق تاريخي وثقافي، حيث اجتذبت نحوها الكثير من الرحالة والمؤرخين والكُتَّاب الذين حفلت كتبهم ومؤلفاتهم بالكثير من المعلومات عنها التي تُمثِّل حلقة من حلقات التواصل الحضاري والمعطيات الحضارية، ولهذا فقد تعددت المصادر وبمختلف اللغات حيث دوَّن المؤلفون والكُتَّاب والرحالة والأجانب والمسلمون الكثير مما يتعلق بتاريخها وجغرافيتها لأسباب كثيرة أولها غزوة تبوك للنبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة للهجرة وكونها ممراً لقوافل الحج، وتاريخها القديم وغير ذلك مما ذكره المؤرخون ومما ذكره ابن هشام والطبري وابن الأثير والواقدي والمقدسي والسمهودي وغيرهم.. ومنذ وصولنا إلى تبوك مع مجموعة كبير من الأدباء والمثقفين ورؤساء الأندية الأدبية ونحن نحظى بالحفاوة والتكريم، يأتي في مقدمة ذلك زيارة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك في مكتبه بالإمارة حيث استقبل المشاركين في الملتقى الثقافي الأول ورحب سموه بالمشاركين من الأدباء وشكر سموه رئيس نادي تبوك الأدبي ومنسوبي النادي على دعوتهم لعقد هذا الملتقى لمناقشة مواضيع مهمة في مجالات الثقافة والتنمية والذي سيحظى بمداخلات وأفكار المشاركين بما يعود بالفائدة على المجتع وركَّز سموه في كلمته على أهمية عنصر الإبداع لأنه هو الأساس في تنمية الإنسان وشعوره بالاطمئنان، وشدد سموه على أهمية الشفافية في تناول وسائل إعلامنا المحلي لقضايانا الاجتماعية بدلاً من تناولها من وسائل أخرى.. كما تناول سموه في كلمته الزيارة الميمونة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين للولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً وما حظيت به من تقدير واحترام من دول العالم وهذا يدل على مكانة المملكة وقوتها وثقلها الاقتصادي بين دول العالم ثم تحدث بعد ذلك عدد من الإخوة شاكرين سموه على هذا الاحتفاء وهذا اللقاء الطيب المبارك منوهين بما تحدث به سموه عن عديد من القضايا الفكرية والاجتماعية وما تحظى به المنطقة من نهضة وتطور في شتى المجالات الحضارية والثقافية.. وافتتح سموه ملتقى تبوك الثقافي الأول (الثقافة والتنمية) في قاعة فندق صحارى وتحدث سموه عن التنمية وعلاقتها بالثقافة وتطرق إلى مفهوم الأمن الفكري الذي أصبح ضرورة ملحة نظراً لما نواجهه من تحديات ثم تحدث رئيس النادي الأدبي بكلمة ضافية عن الملتقى ومحاوره واستعرض الإسهامات الثقافية التي تضطلع بها بلادنا اليوم، ثم ألقى الدكتور عبد الرحمن الشبيلي بكلمة المشاركين في الملتقى استعرض فيها التنمية الثقافية وأثرها على المجتمعات مبيناً فيها مراحل التطور في المملكة وتحدث عن سيرة المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- واهتمامه البالغ بركائز التنمية والثقافة في البلاد.. ثم انطلقت في اليوم الثاني جلسات الملتقى التي تضمنت أوراقاً عن التنمية والثقافة وحوارات أدبية مفيدة حول متطلبات التنمية الثقافية، كما استعرضت في ورقتي التي قدمتها عن كتابات الرحالة عن الحجاز وتبوك ووصف مشاهداتهم للمواضع وتحديدها وكم في بلادنا من مواضع وأماكن تاريخية حفل الشعر العربي بها وبذكر فيافيها وقفارها، وجرى للشعراء والمؤرخين والرحالة جولات وتنقلات سجلوها مرتبطة بأماكنها سواء في عصور ما قبل الإسلام أو بعده وقد جمع لنا ياقوت الحموي صاحب كتاب معجم البلدان كثيراً من العلم وكذا البكري في كتابه (معجم ما استعجم) وكتاب (المسالك والممالك) و(نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وغيرها من الكتب التي تحتوي على أخبار جغرافية وتاريخية ومشاهدات، ولقد كان أثر الحج في الرحلات والمؤلفات بارزاً.. ومن المعروف اهتمام الرحالة بشمال المملكة وكان لكل رحالة اهتمام خاص بالنواحي التاريخية والسياسية أو الدينية وأكسبت كل رحالة شهرة معينة وهذه الرحلات مصدر هام لوصف الأحوال والثقافات عبر التاريخ.. وفي ظهر يوم الثلاثاء قمنا بزيارة لشركة تبوك الزراعية وهي صرح من صروح الزراعة في بلادنا وتجولنا في رحابها بواسطة مديرها الأستاذ سعد السواط الذي شرح لنا الكثير عنها وعن إنتاجها وتناولنا طعام الغداء وصلينا جماعة داخلها وكنا نتمنى أن نذوق شيئاً من فاكهتها إلا أن الموسم ليس موسم فاكهة ثم عدنا للفندق والتوجه للمركز الحضاري حيث افتتح سمو أمير منطقة تبوك حفل جائزة التفوق العلمي وكان حفلاً رائعاً ومتميزاً.

وبعد: فإن تبوك من أهم المواقع الأثرية بالمملكة فهي إحدى محطات الطريق التجاري القديم الذي يربط الجزيرة العربية ببلاد الشام ومصر وتركيا وهي إحدى محطات طريق الحج الشامي وبها معالم كثيرة وقد زرتها من قبل حين حضرت لإحدى المناسبات الثقافية مثل قلعة تبوك التي أقيمت في العصر العباسي ومحطة سكة الحديد التي أُنشئت عام 1911م وبعض العيون والمساجد وغيرها إلى جانب ما تزخر به من كتابات ونقوش ورسوم صخرية تعود إلى فترات تاريخية مختلفة.
وفي الختام فإن أهمية هذا الملتقى تأتي في هذا الحشد الأدبي من أدباء ومثقفي بلادنا والمحاور الأدبية التي طرحت فيه من خلال مناقشة لعدد من القضايا الأدبية والأمور الفكرية كما نقدم الشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك على حسن استقباله ودعمه للأدب والثقافة ولقيادتنا الرشيدة على دعمها المتواصل للأندية الأدبية ثقافياً واجتماعياً وتكريم الأدباء والأعلام ممن لهم مكانة أدبية وعلمية.. وتحية تقدير وإكبار للنادي الأدبي في تبوك على جهوده العلمية والأدبية في سبيل خدمة الأدب والفكر والثقافة والإبداع.. والله نسأل أن يستمر وسائر الأندية في عطائها ورسالتها.. كما نسأله تعالى أن يحيط وطننا بالأمن والأمان والازدهار وأن يزيده علواً ومكانة وثباتاً واستقراراً.