الله يعطيك العافيه
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين00 أما بعد
يقول الله تعالى
(اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)
والذي يتأمل أحوال الناس في هذا الزمن يرى تطابق الآية تماماً مع واقع كثير منهم وذلك من خلال ما يرى من كثرة إعراضهم عن منهج الله وغفلتهم عن الآخرة وعن ما خلقوا من أجله00 وكأنهم لم يخلقوا للعبادة00 وإنما خلقوا للدنيا وشهواتها00 فإنهم إن فكروا فللدنيا وإن أحبوا فللدنيا0 وإن عملوا فللدنيا0 فيها يتخاصمون ومن أجلها يتقاتلون وبسببها يتهاونون أو يتركون كثيرأ من أوامر ربهم، حتى أن بعضهم مستعد أن يترك الصلاة أو يؤخرها عن وقتها من أجل اجتماع عمل أو من أجل مباراة أو موعد مهم ونحو ذلك0!!
كل شيء في حياتهم له مكان0 للوظيفة مكان0 للرياضة مكان0 للتجارة مكان0 للرحلات مكان0 للأفلام والمسلسلات وللأغاني مكان00 للنوم مكان0 للأكل والشرب مكان00 كل شيء له مكان إلا القرآن وأوامر الدين..!!
تجد الواحد منهم ما أعقله وأذكاه في أمور دنياه00 لكن هذا العاقل المسكين لم يستفد من عقله فيما ينفعه في أُخراه00 ولم يقده عقله إلى أبسط أمر وهو طريق الهداية والاستقامة على دين الله الذي فيه سعادته في الدنيا والآخرة0 وهذا هو والله غاية الحرمان (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)0 من يرى أحوالهم وما هم عليه من شدة جرأتهم على ارتكاب المعاصي وتهاونهم بها يقول00 إن هؤلاء إما أنهم لم يصدقوا بالنار00 أو أن النار قد خلقت لغيرهم00 نسوا الحساب والعقاب وتعاموا عن ما أمامهم من أهوال وصعاب (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)00 انشغلوا براحة أبدانهم وسعادتها في الدنيا الفانية وأهملوا سعادتها وراحتها في الأخرى الباقية00
ما أحرصهم على أموالهم وما أحرصهم على وظائفهم0 وصحتهم00 لكن أمور دينهم والتفقه فيها وتطبيقها والتقيد بها فهي آخر ما يفكرون فيه إن هم فكروا
أوقاتهم ضائعة بلا فائدة00 بل إن أغلبها قد تضيع في المحرمات وإضاعة الواجبات يبحثون بزعمهم عن الراحة والسعادة00 وهم بعملهم هذا لن يجدوا إلا الشقاء والتعاسة0 شعروا بذلك أم لم يشعروا لقوله تعالى00 (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى)0 حتى أصبح حال الكثيري
ولقد مات عند الكثير من هؤلاء الشعور بالذنب00 ومات عندهم الشعور بالتقصير00 حتى ظن الكثير منهم أنه على خير عظيم00 بل ربما لم يرد على خاطره أنه مقصر في أمور دينه00 فبمجرد قيامه بأصول الدين ومحافظته على الصلوات ظن في نفسه خيرأ عظيماً00 وأنه بذلك قد حاز الإسلام كله وأن الجنة تنتظره في نهاية المطاف00 ونسي هذا المسكين مئات بل آلاف الذنوب والمعاصي التي يرتكبها صباحاً ومساءً من غيبة أو بهتان أو نظرة إلى الحرام أو شرب لحرام أو حلق لحية أو إسبال ثوب أو غير ذلك من المعاصي والمخالفات التي يستهين بها ولا يلقي لها بالاً ويظن أنها لا تضره شيئاً وهي التي قد تكون سبباً لهلاكه وخسارته في الدنيا والآخرة وهو لا يشعر لقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها إذا اجتمعت على العبد أهلكته ) ناهيك عن ما يرتكبه البعض من كبائر وموبقات من ربا وزنا ولواط ورشوة وعقوق ونحو ذلك..!
وإن المرء ليعجب والله أشد العجب!00 ألم يمل أولئك هذه الحياة؟ 0ألم يسألوا أنفسهم؟ 0ثم ماذا في النهاية؟ 0ماذا بعد كل هذه الشهوات والملذات ؟ 0ماذا بعد هذا اللهو والعبث؟0 ماذا بعد هذه الحياة التافهة المملوءة بالمعاصي والمخالفات؟ هل غفل أولئك عما وراء ذلك00 هل غفلوا عن الموت والحساب والقبر والصراط00 والنار والعذاب00 أهوال وأهوال وأمور تشيب منها مفارق الولدان00 ذهبت اللذات وبقيت التبعات00 وانقضت الشهوات وأورثت الحسرات00 متاع قليل ثم عذاب أليم وصراخ وعويل في دركات الجحيم00 فهل من عاقل يعتبر ويتدبر ويعمل لما خلق له ويستعد لما أمامه
إن مثل هؤلاء المساكين الغافلين السائرين في غيّهم قد أغلقت الحضارات الحديثة أعينهم وألهتهم الحياة الدنيا عن حقائقهم ومآلهم00 ولكنهم سوف يندمون أشد الندم إذا استمروا في غيهم ولهوهم وعنادهم ولم يفيقوا من غفلتهم وسباتهم ويتوبوا إلى ربهم00
يقول تعالى عن مثل هؤلاء00 (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)00 أي دعهم يعيشوا كالأنعام ولا يهتمون إلا بالطعام والشراب واللباس والشهوات!؟00 ألم يأن لكل مسلم أن يعلم حقيقة الحياة والغاية التي من أجلها خلق ؟
أخي الحبيب:
يا من تقرأ هذه الرسالة قف قليلأ مع هذه الأسطر وراجع نفسك وحاسبها وانظر كيف أنت في هذه الحياة00 هل أنت من أولئك اللاهين الغافلين أم لا؟ وهل أنت تسير في الطريق الصحيح الموصل إلى رضوان الله وجنته
أم أنك تسير وفق رغباتك وشهواتك حتى ولو كان في ذلك شقاؤك وهلاكك00 انظر أخي في أي الطريقين تسير فإن المسألة والله خطيرة وإن الأمر جد وليس بهزل00 ولا أظن أن عندك شيء أغلى من نفسك فاحرص على نجاتها وفكاكها من النار ومن غضب الجبار00 انظر أخي الحبيب كيف أنت مع أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم 00 هل عملت بهذه الأوامر وطبقتها في واقع حياتك أم أهملتها وتجاهلتها وطبقت ما يناسبك ويوافق رغباتك وشهواتك
إن الدين أخي الحبيب كلٌ لا يتجزأ00لأن الالتزام ببعض أمور الدين وترك الأمور الأخرى يعتبر استهتار بأوامر الله وتلاعب بها00 وهذا لا يليق بمسلم أبداً وقد نهى الله عن ذلك وتوعد من فعله بوعيد شديد فقال عز من قائل
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب)
إن المسلم الحق وقته كله عبادة والدين عنده ليس شعائر تعبدية فحسب يؤديها ثم يعيش بعد ذلك فيما بين الشعيرة والشعيرة بلا دين ولا عبادة!!00 فيأكل الحرام ويشرب الحرام ويسمع الحرام ويشاهد الحرام ويعمل الحرام ويتكلم بالحرام!! إن من يفعل ذلك لم يفهم حقيقة الإسلام الذي يحمله وينتمي إليه
أخي الحبيب:
يا من تعصي الله إلى متى هذه الغفلة؟ إلى متى هذا الإعراض عن الله؟ ألم يأن لك أخي أن تصحو من غفلتك؟ ألم يأن لهذا القلب القاسي أن يلين ويخشع لرب العالمين (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)00 أعلنها أخي توبةً صادقةً وكن شجاعاً00 وكن حقاً عبداً لله تعالى00 وهل يكون الإنسان عبداً حقيقياً لله وهو متمرداً على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير00 ألم يأن لك أخي أن تسير في قافلة التائبين؟ هل أنت أقل منهم؟ حاشاك ذلك؟ ألا تريد ما يريدون؟ هل هم في حاجة إلى ما عند الله من الثواب وأنت في غنى عنه؟ هل هم يخافون الله وأنت قوي لا تخافه؟
ألا تريد الجنة يا أخي؟ تخيّل يا أخي النظر إلى وجه ربك الكريم في الجنة وتخيّل أنك تصافح نبيك محمداً صلى الله عليه وسلّم وتقبله وتجالس الأنبياء والصحابة في الجنة00 قال تعالى00 (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)0 وتخيّل أخي نفسك وأنت في النعيم المقيم في جنات عدن بين أنهار من ماء وأنهار من لبن وأنهار من خمر وأنهار من عسل مصفى وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون00 ولك فيها ما تشتهيه نفسك وتلذ عينك00 تخيّل كل هذا النعيم في جنة عرضها السماوات والأرض
وتخيّل في مقابل ذلك النار وزقومها وصديدها وحرها الشديد وقعرها البعيد، وعذاب أهلها الدائم الذي لا ينقطع قال تعالى00 (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق)00 تخيّل كل ذلك لعله أن يكون عوناً لك على التوبة والإنابة والرجوع إلى الله
ووالله إنك لن تندم على التوبة أبداً00 بل إنك سوف تسعد بإذن الله في الدنيا والآخرة سعادة حقيقية00 لا وهمية زائفة0 فجرّب يا أخي هذا الطريق من اليوم ولا تتردد00 ألست تقرأ في صلاتك كل يوم (اهدنا الصراط المستقيم)00 فما دمت تريد الصراط المستقيم فلماذا لا تسلكه وتسير فيه!
أخي الحبيب:
إياك إياك أن تغتر بهذه الدنيا وتركن إليها وتكون هي همك وغايتكفإنك مهما عشت فيها ومهما تنعمت بها فإنك راحل عنها لا محالة00 فيا أسفاً لك أخي إذا جاءك الموت ولم تتب ويا حسرةً لك إذا دعيت إلى التوبة ولم تجب00 فكن أخي عاقلأ فطناً واعمل لما أنت مقدم عليه فإن أمامك الموت بسكراته00 والقبر بظلماته00 والحشر بشدائده وأهواله00 وهذه الأهوال ستواجهها حتماً وحقاً وستقف بين يدي الله وستسأل عن أعمالك كلها صغيرها وكبيرها فأعد للسؤال جوابأ (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون)
ووالله إنه لا يليق بعاقل أبداً أن يلهو ويلعب في هذه الدنيا ويعصي الله وأمامه مثل تلك الأهوال العظيمة00 ووالله إنها لأكبر فرصة أن أمهلك الله وأبقاك حياً إلى الآن وأعطاك فرصة للتوبة والإنابة والرجوع إليه فاحمد الله على ذلك ولا تضيع هذه الفرصة وتب إلى الله ما دمت في زمن المهلة قبل النقلة00 وتذكر أولئك الذين خرجوا من الدنيا ووالله لتخرجن أنت منها كما خرجوا00 لكنك أنت الآن في دار العمل وتستطيع التوبة والعمل، وأما هم فحال الكثيرين منهم يتمنى الرجوع والتوبة ولسان حالهم يقول كما في قوله تعالى00(يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون)0 فاحذر أخي أن تغلط غلطتهم فتندم حين لا ينفع الندم. وانقذ نفسك من النار ما دام الأمر بيدك قبل أن تقول00 (رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت) فلا تجاب حينها لذلك. فإني والله لك من الناصحين وعليك من المشفقين00
وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه00 إنه ولي ذلك والقادر هذا والله اعلم واقدر وصلى الله وسلم
الله يعطيك العافيه
الله يجزاك خير واللهم ثبتنا على دينك
يــــارب عــفــوكـ ورضـــاكـ
جزاكم الله خيرا وجعل ماقدمتم بميزان حسناتكم .
أبو البندري بارك الله فيك
وجزاك خير الجزاء
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات