بسم الله الرحمن الرحيم
سوف اقوم هنا باذن الله بوضع شرحا للاحاديث النووية ( من كتاب الاربعين النوويه ) للامام النووي
.................





الحديث الاول :

انما الاعمال بالنيات

عن امير المؤمنين ابي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه " .

رواه البخاري ومسلم .

اهمية الحديث :
ان هذا الحديث من الاحاديث الهامة ، التي عليها مدار الاسلام ، فهو اصل في الدين وعليه تدور غالب احكامه ، ويتضح هذا من كلام العلماء ؛ قال ابو داود : ان هذا الحديث - انما الاعمال بالنيات - نصف الاسلام ؛ لان الدين اما ظاهر وهو العمل ، او باطن وهو النية . وقال الامام احمد والشافعي : يدخل في حديث : " انما الاعمال بالنيات " ثلث العلم ، وسبب ذلك ان كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه ، فالنية بالقلب احد االاقسام الثلاثة .ولذا استحب العلماء ان تستفتح به الكتب والمصنفات ، فجعله البخاري في اول صحيحه ، وابتدأ به النووي في كتبه الثلاثة " رياض الصالحين " و " الاذكار " و " الاربعين حديثا النووية " . وفائدة هذا البدء تنبيه طالب العلم ان يصحح نيته لوجه الله تعالى في طلب العلم وعمل الخير . ومما يدل على اهميته : ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب به ، كما في رواية البخاري ، ثم خطب به عمر . قال ابوعبيد : ليس في الاحاديث اجمع واغنى واكثر فائدة منه .

لغة الحديث :
" الحفص " : الاسد ، وابو حفص : كنية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه .
" انما " : اداة حصر تثبت المذكور بعدها وتنفي ما عداه .
" بالنيات " : جمع نية ، وهي في اللغة : القصد . وفي الاصطلاح : القصد المقترن بالفعل .
" امرئ " : انسان ، رجلا كان او امرأة .
" هجرته " : الهجرة لغة : الترك . وشرعا : مفارقة دار الكفر الى دار الاسلام خوف الفتنة ، والمراد بها في الحديث : الانتقال من مكة وغيرها الى المدينة قبل فتح مكة .
" الى الله " : الى محل رضاه نية وقصدا .
" فهجرته الى الله ورسوله " : قبولا وجزاء.
" لدنيا يصيبها " : لغرض دنيوي يريد تحصيله .

سبب ورود الحديث :
روى الطبراني في معجمه الكبير بإسناد رجاله ثقات ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها ام قيس ، فأبت ان تتزوجه حتى يهاجر ، فهاجر ، فتزوجها ، فكنا نسميه : مهاجر ام قيس .
وروى سعيد ابن منصور في سننه ، بسند على شرط الشيخين ، عن ابن مسعود قال : من هاجر يبتغي شيئا فإن ماله من ذلك مثل اجر رجل هاجر ليتزوج امرأة يقال لها ام قيس ، فقيل له مهاجر ام قيس .

فقه الحديث وما يرشد اليه :
1- اشتراط النية : اتفق العلماء على ان الاعمال الصادرة من المكلفين المؤمنين ، لاتصير معتبرة شرعا ، ولا يترتب الثواب على فعلها الا بالنية .
والنية في العبادة المقصودة ؛ كالصلاة والحج والصوم ، ركن من اركانها ، فلا تصح الا بها ، واما ما كان وسيلة ؛ كالوضوء والغسل فقال الحنفية : هي شرط كمال فيها ، لتحصيل الثواب . وقال الشافعية وغيرهم : هي شرط صحة ايضا ، فلا تصح الوسائل الا بها .
2- وقت النية ومحلها : وقت النية اول العبادة ، كتكبيرة الاحرام بالصلاة ، والاحرام بالحج ، اما الصوم فتكفي النية قبله لعسر مراقبة الفجر .
ومحل النية القلب ؛ فلا يشترط التلفظ بها ؛ ولكن يستحب ليساعد اللسان على استحضارها .
ويشترط فيها تعيين المنوي وتمييزه عن غيره ، فلا يكفي ان ينوي الصلاة بل لابد من تعيينها بصلاة الظهر او العصر .... الخ .
3- وجوب الهجرة : الهجرة من ارض الكفار الى ديار الاسلام واجبة على المسلم الذي لا يتمكن من اظهار دينه ، وهذا الحكم باق وغير مقيد ؛ واما خبر " لا هجرة بعد الفتح " فالمقصود به " لاهجرة من مكة بعد فتحها ، لانها صارت دار الاسلام .
وتطلق الهجرة على : مانهى الله عنه ( والمهاجر ما هجر ما نهى الله عنه ) ، وهجر المسلم اخاه فوق ثلاث ايام ، وهجر المرأة فراش زوجها . وقد يجب على المسلم ان يهجر اخاه المسلم العاصي ، كما يجوز له ان يهجر زوجته الناشزة تأديبا .
4- يفيد الحديث ان من نوى عملا صالحا ، فمنعه من القيام به عذر قاهر ، من مرض او وفاة ، او نحو ذلك ، فإنه يثاب عليه . قال البيضاوي : والاعمال لا تصح بلا نية ، لان النية بلا عمل يثاب عليها ، والعمل بلا نية هباء ، ومثال النية في العمل كالروح في الجسد ، فلا بقاء للجسد بلا روح ، ولا ظهور للروح في هذا العالم من غير تعلق بجسد .
5- ويرشدنا الى الاخلاص في العمل والعبادة حتى نحصّل الاجر والثواب في الآخرة ، والتوفيق والفلاح في الدنيا .
6- كل عمل نافع وخير يصبح بالنية والاخلاص وابتغاء رضاء الله تعالى عبادة .


منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغاــــ محي الدين مستو