خالد بن أبي خالد البلوي
خالد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي من أهل قنتورية، من حصون وادي المنصورة.
حاله
هذا الرجل من أهل الفضل والسذاجة، كثير التواضع، منحط في ذمة التخلق، نابه الهيئة، حسن الأخلاق، جميل العشرة، محبٌ في الأدب، قضى ببلده وبغيره، وحج وقيد رحلته في سفر، وصف فيه البلاد ومن لقي، بفصول جلب أكثرها من كلام العماد الأصبهاني، وصفوان وغيرهما، من ملح. وقفل إلى الأندلس، وارتسم في تونس في الكتابة عن أميرها زماناً يسيراً، وهو الآن قاض ببعض الجهات الشرقية.
وجرى ذكره في الرحلة التي صدرت عني في صحبة الركاب السلطاني عند تفقد البلاد الشرقية، في فصل حفظه الناس، وأجروه في فكاهاتهم وهو:
حتى إذا الفجر تبلج. والصبح من باب المشرق تولج، عدنا وتوفيق الله قائدٌ، وكنفنا من عنايته صلةٌ وعائدٌ، تتلقى ركابنا الأفواج، وتحيينا الهضاب والفجاج إلى قنتورية، فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال، قريبة البكر من الآصال، كان المبيت بإزاء قلعتها السامية الارتفاع، الشهيرة الامتناع، وقد برز أهلها في العديد والعدة، والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدة، صفوفاً بتلك البقعة خيلاً ورجلا كشطرنج الرقعة، لم يتخلف ولدٌ عن والدٍ، وركب قاضيها ابن أبي خالد، وقد شهرته النزعة، الحجازية، وقد لبس من الحجازي، وأرخى من البياض طيلسانا، وتشبه بالمشارقة شكلاً ولسانا، وصبغ لحيته بالحناء والكتم، ولاث عمامته واختتم، والبداوة تسمه على الخرطوم، وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم، فداعبته مداعبة الأديب للأديب، والأريب للأريب، وخيرته بين خصلتين، وقلت نظمت مقطوعتين، إحداهما مدحٌ، والأخرى قدحٌ، فإن همت ديمتك، وكرمت شيمتك، فللذين أحسنوا الحسنى. وإلا فالمثل الأدنى. فقال: انشدني لأرى على أي أمري أتيت، وأفرق بين ما جنيتني وما جنيت، فقلت:
قالوا وقد عظمت مبرة خالد ... قاري الضيوف بطارفٍ وبتالد
ماذا تممت به فجئت بحجة ... قطعت بكل مجادل ومجالد
أن يفترق نسبٌ يؤلف بيننا ... أدبٌ أقمناه مقام الوالد
وأما الثانية فيكفي من البرق شعاعه، وحسبك من شر سماعه. ويسير التنبيه كافٍ للنبيه، فقال، لست إلى قراي بذي حجة، وإذا عزمت فأصالحك على دجاجة، فقلت ضريبةٌ غريبةٌ، ومؤنةٌ قريبةٌ، عجل ولا تؤجل، وإن انصرم أمد النهر فأسجل، فلم يكن إلا كلا ولا، وأعوانه من القلعة تنحدر، والبشر منهم بقدومها يبتدر، يزفونها كالعروس فوق الرؤوس، فمن قائل يقول أمها يمانية، وآخر يقول أخوها الخصي الموجه إلى الحضرة العلية، وأدنوا مرابطها من المضرب بعد صلاة المغرب، وألحقوا في السؤال، وتشططوا في طلب النوال، فقلت يا بني اللكيعة جئتم ببازي، بماذا كنت أجازي، فانصرفوا وما كادوا يفعلون، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون، حتى إذا سلت لذبحها المدى، وبلغت من طول أعمارها المدى، قلت يا قوم ظفرتم بقرة العين، وابشروا باقتراب اللقاء، فقد ذبحت لكم غراب البين.
ولقد بلغني أنه لهذا العهد بعد أن طال المدى، يتظلم من ذلك، وينطوي من أجله على الوجدة، فكتبت إليه: وصل الله عزة الفقيه النبيه، العديم النظير والتشبيه، وارث العدالة عن عمه وابن أبيه، في عزة تظلله، وولاية تتوج جاهه وتكاله.

المرجع :
الكتاب : الإحاطة في أخبار غرناطة
المؤلف : لسان الدين ابن الخطيب