من حكايات صندوق النقد الدولي ..؟؟

تأسس صندوق النقد الدولي عام 1944 في «برايتن وودز» في الولايات المتحدة. وكان القصد منه تسهيل أمور التجارة العالمية منعاً للحروب. ولكن نشاطاته توسعت فيما بعد. وعندما سادت مبادئ الليبرالية الجديدة، انتقل الصندوق إلى إرشاد الدول إلى ضرورة رفع الضرائب، وخفض التقديمات الاجتماعية، وفتح الأسواق على التجارة العالمية.
يعقد صندوق النقد اجتماعات مستمرة مع منظمة العمل الدولية (ILO). وذلك من أجل التنسيق بين نشاطاتهما. إن الصندوق ومنظمة العمل خصمان بالطبيعة. فحين يطالب الصندوق بخفض التقديمات الاجتماعية، تصر منظمة العمل الدولية على دوام الرفاهية الاجتماعية في مختلف الدول. ان مهام الصندوق تمتد ليس إلى الأمور الماكرو ـ اقتصادية فقط، بل إلى الأمور الاجتماعية والصحية للمجتمعات.
يقدم صندوق النقد الدولي قروضاً إلى الدول التي تقبل بشروطه. أما الدول التي تتردد في قبول تلك الشروط، فلا أمل لها في الحصول على القروض من الصندوق. وبعد حدوث الأزمة المالية العالمية الكبرى في أيلول عام 2008، توقف البنك عن اعطاء القروض. وثارت في تلك الفترة التساؤلات حول مهمة الصندوق وهويته.
يريد مدير صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس كان ان يعنى الصندوق بالفوائد المصرفية والضرائب والاصلاح النقدي عبر العالم، وان يتحول إلى فريق ميداني (Task Force) يقدم المشورة والتحليل الاقتصادي والمال إلى الدول المتعثرة، وان يغير الصورة التي راجت حوله من كونه عاصمة الليبرالية الجديدة التي ضربت العالم. يمكن في هذا المجال إيراد تجربتين للصندوق في اليونان وفي المجر. ففي اليونان لم تكن الأزمة ناتجة عن تدني قيمة العملة، بل عن سوء الادارة وعن الفساد. ولم يكن باستطاعة صندوق النقد الدولي التدخل في الأمر. إذ ان اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي.
ولم يتم انقاذ الاقتصاد اليوناني من قبل صندوق النقد الدولي، بل من قبل المانيا التي تأخرت في اعطاء قسط الدعم للدولة المفلسة. وقدرت المبالغ التي دفعت بـ250 مليار يورو، أتى معظمها من قبل دول آسيوية صاعدة. وهكذا أنقذ العالم الثالث دولة من العالم الأول (الأوروبي) مما يشير إلى تحولات كبيرة في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
يحق الآن التساؤل حول الامور التي تحدث حين لا تستطيع دولة تنفيذ كافة شروط الصندوق، التي تؤثر على الحياة الاجتماعية للشعوب. والذي سوف يحدث لدولة ظلت عشرات السنوات تعمل لرفع الرفاه الاجتماعي للناس عندما تتوقف عن تقديم مساعداتها الاجتماعية والصحية للمواطنين. تستطيع دول مثل أندونيسيا والأرجنتين والمجر رواية تجاربهم المرة مع الصندوق.
تعتبر المجر من زبائن صندوق النقد الدولي القدماء. وقد جرت في شهر حزيران الماضي مفاوضات لإعطاء قروض جديدة. ولكن رئيس الوزراء فيكتور أوربان أغلق الباب في وجه ممثلي الصندوق ورفض شروطه. وشرع بالتحدث عن النضال الاقتصادي لبلاده وعن نهاية عهد التسول من الصندوق.
انضمت المجر إلى عضوية الصندوق عام 1982. حين كان الحكم اشتراكياً آنذاك، وتلقت مبلغ 540 مليون دولار كقرض. وطبقت المجر في عام 1984 مبادئ اقتصاد السوق الرأسمالي. وخفضت الرسوم الجمركية ورفعت الاجراءات الحمائية. وأدى ذلك إلى رفع قيمة «الفورنت» عملتها الرسمية. وحتى عام 1996 تلقت المجر قروضا بـ365 مليون دولار ثم 480 مليون دولار ثم 1,6 مليار دولار. وقامت الحكومة بتجديد النشاطات الاقتصادية كلياً وفتحت الباب للاستثمارات الأجنبية، اما التأثيرات الاجتماعية فكانت انخفاض الأجور الحقيقية بنسبة 22%. وعلت نسبة البطالة وبلغ التضخم 30%. وانخفضت معاشات التقاعد. وفي عام 2004 انضمت المجر إلى الاتحاد الأوروبي. وتـرتب على ذلك اتخاذ اجراءات تقشفية جــديدة. وعنـدما حلت الأزمة المالـــية العالمية في خريف عـــام 2008 وصلت المـجر إلى حافة الافلاس.
من زار المجر في بداية التسعينيات من القرن الماضي، رأى بلاداً تنهض من بين الانقاض، وتبني بلاداً عصرية وحديثة بكل معنى الكلمة. فتحولت بودابست إلى مدينة عالمية يقصدها السياح ورجال الأعمال من كافة أرجاء العالم. ولكن بعد عشرين عاماً، تغيرت كل الأمور وعادت بودابست مدينة متعبة ورمادية.

تحياتي /ماجد البلوي