جنة كانـــت ثم بادت
فهد بن فريج المعلا الوابصي البلوي
جنة كانت ثم بادت
إذا رغبت في زيارة عورش واستكشافها فإن طريقها من قرية البلاطة بعد أن تتجاوزها بكيلين أو ثلاثة ؛ يقابلك وأنت متجه إلى العلا على اليسار طريق ممهد بطول 27 كيلا تسير منها 16 كيلا ممهدة ثم تواجهك بيوت مهجورة ثم 11 كيلا شديدة الوعورة لن يقطعها صاحب (الجيب) إلا بشق الأنفس .
تتفرع عورش إلى شعبين اثنين(عوارش) على يمين القادم و(عورش) على يساره وقد غلبت تسمية الثانية عليها لكثرة عيونها وبساتينها بخلاف عوارش التي تكثر في جبالها الرجوم والحيطان والسراديب وليس بها إلا عين واحدة وأخرى مدفونة وفي ذلك رواية قصها لنا عوض بن عمار الميهوبي ( صاحب أول النخل في عورش على اليسار؛ يسكن حاليا في البلاطة ) وهي رواية أشبه ما تكون بالأسطورة الخرافية
يقول ابن عمار : كانت عوارش ذات عيون جارية وكان ماءها يسيل حتى يصل إلى أسفل الوادي وكانت هي العاصمة – كما اسماها – ولكنها هلكت وبادت بسبب دعوة أصابتها من رجلين غريبين أتيا إليها لا يعلم احد عنهما شيئا .قصدوا الوادي يريدون ضيافة أهله ولكن أهالي عوارش طردوهم (وانخوا) عليهم كلابهم فانحرف الرجلان عنها وقالوا( أنت خراب منتي عمار ؛ دمار منتي عمار) فكان هذا سبب خرابها وهلاكها ولم يبق منها إلا أثارها .
فبارك الله له واحيا أرضه وتفجرت ينابيعها والتي لا تزال إلي يومنا هذا!!!
آثار المواهيب وآثار الأمم السابقةوادي عورش متحف مكشوف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ؛ يتضمن عشرات من الرجوم والآثار التي تتنوع وتتفاوت في القدم والإتقان وتتضارب الروايات في نسبتها . حيث يتفاجأ الزائر إليها وتعتريه حالة من الذهول والحيرة وتتبادر في ذهنه عشرات من الأسئلة عن سر هذا الوادي ومن سكنه وعن هذه الآثار ونسبتها والتي اجزم أنها تتطلب سنوات من البحث فيها وفي تاريخها وتنقيب آثارها من قبل علماء متخصصين درسوا هذا العلم وأتقنوه ؛ والمؤكد أن قدراتي لتقصر دون هذا الهدف ولكن كسائح زار القرية لأكثر من مرة وقابل عددا من أهاليها السابقين واستمع إليهم ساروي مشاهداتي وانطباعاتي وسأدلي بدلوي واطرح رأيي للتجاذب معكم ؛ رأيي الذي يحتمل الإصابة و الخطأ .
فأقول وبالله استعين من خلال مقابلتي لعدد من أهالي عورش السابقين وزياراتي المتكررة لهذه الهجرة استطيع أن اقسم الآثار الموجودة فيها إلى قسمين:
1 آثار لا خلاف في نسبتها لقبيلة المواهيب وتتصف بقرب عهدها وبدائيتها وتفتقد الإتقان كالبيوت الصغيرة و( الزرب ) ومرابد التمر وحدود البساتين .
2 والقسم الثاني من الآثار هي آثار الأمم السابقة ممن سكن هذا الوادي مجهولة النسبة والتاريخ وتتميز بكثرتها وقوتها وتتصف بالإتقان في بعضها وضخامتها كالقصر المتهدم في الوادي بالقرب من العين الشلالة والرجوم المنتشرة في الجبال والسراديب وبعض المدرجات
هذا المسكن البدائي البسيط هو من الآثار القريبة العهد لسكانها المواهيب
من الآثار الأخرى لقبيلة المواهيب
يسمى هذا الاثر بالمربد يربد فيه التمر
وقال تعالى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا
لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) سورة الأعراف.
فلولا ابنة العذري لم تر ناقتي ***** شلال ولم أعسف بها حيث أعسف
في وسط الوادي يقع ما يعرف بين السكان بالقصر الذي هو الآن أكوام من الحجارة ولم يبق من معالمه إلا القليل ؛ هذا القصر الذي يعتقد انه لزعيم الوادي هو قلعة كبيرة مزينة واجهاتها بحجارة منحوتة ذات لون جميل ومزينة كذلك بالجص وهو الفخار الذي يجده الزائر بكثرة حول القصر.

صورة من أعلى القصر تظهر بعض جوانبه



الحجارة المنحوتة استخدمها الأهالي في الماضي القريب في بناء مسجد بدائي لهم

تتشابه طريقة نقش هذه الحجارة مع آثار مدائن صالح في الحجر ولو يصح مني افتراض لافترضت أن هذا الوادي وشلال وثربة هي مساكن قوم ثمود ومدائن صالح هي قبورهم كما هو موثق في كتب الآثارمن أن مدائن صالح هي مجرد قبور
هذا السرداب هو من الآثار القديمة التي لا يعلم متى أنشأت كما اخبرني بذلك أكثر من راوي
صورة للسرداب من الداخل يمتد لمسافة تقارب العشرين مترا
ويمتد السرداب تحت هذا المدرج الذي كذلك لا اعلم هل هو مدرج زراعي أم ماذا
الرجوم
صورة مقربة لإحدى المساكن في سفح الجبل
آثارأسوار ورجوم قد تنبأ بكون غالبتيهم كانوا يعيشون في الجبال والقلة الغنية في الوادي
عشرات من الرجوم في سفح الجبل قبل وصول العيون وقد انقسم الرواة فيها إلى قسمين فمن قائل أنها مساكن لهم ومن قائل أنها أماكن مراقب لحماية الوادي والدفاع عنه من الغزاة الطامعين في خيراتها وكلا الرأيين له وجاهته.
مساكن وآثار قديمة في الجبال تدل على الكثافة السكانية العالية في هذاالوادي
بعض رجوم المواهيب وبساتينهم وفي سفح الجبل البعيد تظهر رجوم
وآثار لمساكن كثيرة جدا يجزم الأهالي أنها موغلة في القدم




ممر لجداول الماء بين البساتين



من عيون الوادي
مجاري المياة من تحت جذوع النخل
بئر قريبة الماء في عوارش
عين مدفونة انقطع ماءها في عوارش

جانب من بساتين النخيل

لاتزال البساتين المجاورة لعين الشلالة باقية رغم غياب أصحابها عنها





على سفوح هذه الجبال يشاهد الزائر المدرجات التي كانوا يزرعونها بالكروم كما سماها الراوي ابن عمار وعند سؤاله عن الكروم قال هي الخضار الموسمية تزرع كل سنة ولا تسقى من العيون وإنما من مياه الأمطار التي كانت تهطل باستمرار في الغالب و بلا انقطاع وذلك عندما لم يكن يتعلق الناس إلا برحمة الله ورجاءه وعندما كانت نفوسهم صافية لم تتلوث بالآثام والمعاصي والتحاسد ؛ فكانوا يبذرون الحبوب في أول الموسم حتى إذا ما أتت الأمطار ونمت وأينعت وحان وقت الحصاد حصد كل فرد نصيبه الوافر منها ؛ من البطيخ والبندورة والخيار وغيرها من منتوجات زراعية

لك أن تتخيل هذا المدرج وهو مكسو بزروع متنوعة وخضار نضرة وجداول عذبة تتحدر من رؤوس الجبال كيف كان منظره وكيف ستكون مشاعرك عند رؤيته

الجنة الجميلة ذات العيون الجارية والأشجار الباسقة والثمار اليانعة هي اليوم واد موحش لا حياة فيها ولا سكان ؛ هجرها أهلها إلى القرى والمدن المجاورة وتخلوا عن بيوتهم وبساتينهم وتركوها خاوية على عروشها لتكون آثارا لهم تنضم إلى متحف الأمم السابقة في هذا الوادي ولتكون شاهدا على حقبة من حقب التاريخ ؛ يقول ابن عمار (في وقت الصيف تجد البيوت والرجال والأنعام والحلال يرد ويصدر عليها وكانت ارض خير ونعائم والحمد لله اليوم جمدت على ما هي عليها وأهلها ألي كانوا صابرين عليها ماتوا ؛ كلهم تحت التراب ) .
ويذكر ابن عمارأسبابا كثيرة من كونها لا توجد بها خدمات ولا مدارس وأنها ضيقة بالنسبة لغيرها من المدن والقرى ووعرة وخطرة في أوقات الأمطار والسيول ؛ كل هذه الأسباب جعلت أهلها يهجرونها إلى ثربة والحجر في الجهة المقابلة من الحرة والى البلاطة والنشيفة وغيرها من المدن
ويقول أن الأهالي طلبوا من الدولة المعونة والمساعدة على حفر العيون التي دفنت جراء السيول والأمطار والنخل الذي مات بسبب تهدم مجاري الري لكن لم تلق استجابة من احد!
ولا حول ولا قوة إلاب الله العلي العظيم







· عورش وشلال وثربة قرى متشابهة : تحاذي عورش حرة العويرض وتقابلها في الجهة الأخرى من الحرة قرية ثربة وقرية شلال اللتان تشابهانها في توفر العيون وكثرة البساتين ووجود الآثار والرجوم والقصور إلا أن عورش تتميز عنهما ببقاء أثارها كما هي دون عبث أو تدخل من قبل احد وذلك لصعوبة الوصول إليها ووعورة طريقها كما ذكرنا .
· للعلم طريق عورش من جهة البلاطة وطريقة ثربة وشلال من جهة العلا
احدى الكتابات التي قد تكون قريبة العهد وقد تكون قديمة وان كنت اميل الى الراي الاول .
· من الروايات التي ورد في الكتب انه قامت في وادي القرى مملكة دادان والتي ينسب لها علماء الاثار الجبال المنحوتة .
والصلاة والسلام على النبي الأمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم
فهد المعلا
الموضوع المصدر منتدى بلي الرسمي