أخي الكريم / يوسف البلوي
وبينمـــــــــا أنا أتنزه في البحث عن كتب تستحق القراءة في الشبكة
العنكبوتية .. عثرت على كتاب (على ذمة ) من تحدث
عنه أنه (كتاب يستحق القراءة ))
وهو(عن قبيلتي أحدثكم)
للدكتور غازي القصيبي .. والجديد هنا
لدى القصيبي أنه يتحدث عن الشعر العربي منذ الجاهلية حتى عصرنا
هذا وحتى أكون منصفة لهذا الكاتب لم أطلع على هذا الكتاب إلا من
خلال ماقرأته عنه ..إذ لم يتسنى لي إحضاره من المكتبة .
فأحببت أن أعرض عليكم بعض ماهو موجود في الكتاب كما قرأت
.
.
من خلال هذا الكتاب قسم القصيبي فترات الشعر العربي على غير ما جرت
العادة في الكتب ( شعراء الجاهلية, المخضرمين, الأمويين, … ) إلى
تقسيم مستحدث يعتمد على دورهم في المجتمع أو وضعهم ومكانتهم لدى
السلطان وحال الشعر, تقسيم مضحك ولكن ربما يكون قريباً من الواقع:
1. الشعراء الملوك.
وهنا يصف القصيبي شعراء الجاهلية بأنهم كانوا ملوكاً - حقيقة لا مجازاً
- أو أشباه ملوك وذكر منهم امرؤ القيس وهو إبن ملك, وعمرو ابن كلثوم
فارس بني تغلب, وعنترة رغم الرق والسواد فارس بني عبس, ولبيد بن
ربيعة من أعيان قومه.
وذكر من الشواذ عن هذه القاعدة الملوكية النابغة والأعشى. وكذلك ذكر
بوجود الملوك المضادين أو الصعاليك والذين يعتبرون أنفسهم ملوكاً
ويتصرفون وفقاً لذلك مثل حاتم الطائي أكرم العرب.
ولذلك كان الشعر في هذه الفترة أغلب قصائده متخمة بمدح الشاعر لنفسه
بنرجسية فائقة كقول طرفة بن العبد بأنه المقدام الجريء :
اذا القوم قالوا من فتى؟ خِلتُ أنني *** عُنيتُ فلم أكسل ولم أتبلّدِ
والسخي المعطاء:
كريم يروّي نفسه في حياته *** ستعلم إن متنا أينا الصدِي
وكذلك قال عمرو بن كلثوم الذي لم يستطع لسان عربي أن يجاوزه فخراً , يصف عددهم:
ملأنا البحر حتى ضاق عنا *** وظهر البحر نملؤه سفينا
واصفاً أطفال القبيلة:
اذا بلغ الفطام لنا صبياً *** تخر له الجبابر ساجدينا
وأن قبيلته قدر لا يرد:
وإنا المانعون لما أردنا *** وإنا النازلون بحيث شئنا
والعديد من الأمثلة البيلغة منها شعر “الأعشى” الذي يعد من الصعاليك
وعاش تناقضاً بين واقعه وشعره, فهو صعلوك يقول الشعر بلسان ملك.
وهذا ما أظهر المقولة الشهيرة: “أعذب الشعر أكذبه”.
2. الشعراء الفرسان.
ببزوغ نور الاسلام تحول مصدر الهام الشاعر وفخره من القبلية إلى
الإسلام والقرآن والسنة وظهر منافسون للشعراء على الشهرة هم:
الفقهاء والقادة العسكريون والكتّاب واللغويون. وظهر التدوين بديلاً للحفظ
في هذه الفترة كما زاد ضغط الخلافة على الشعراء مما تسبب بسجن
الحطيئة طويل اللسان حقيقة ومجازاً في أعراض الناس.
وببزوغ الدولة الأموية عاد التعصب القبلي ورفع الشعراء من جديد أعلام
القبيلة مما ساهم في ارتفاع مكانة الشعر والشعراء في بلاط الخلافة.
وكان أكثر الشعراء قرباً من الخلفاء هو الشاعر النصراني “الأخطل”
, وكان الخلفاء كرماء أسخياء على الشعراء. وكان أشدهم فحشاً وبذات
الوقت قرباً للخلفاء النصراني الأخطل والذي يقف أمام الخليفة يهزأ
بالاسلام شعراً ويخرج بعطيّة الخليفة بل أنه يذكرهم بأنه أعطاهم
ولم يأخذ كقوله /
ولم يأخذأبني أمية إن أخذت نوالكم *** فلما أخذتم من مديحي أكثر
إبني أمية لي مدائح فيكم *** تُنسون إن طال الزمان وتُذكرُ
وقد أبلى شعراء الخوارج في هذا الوقت بلاءً حسناً يعادل بلائهم في القتال,
فمثلاً شعر قطري بن الفجاءه محفورٌ في الأذهان العربية:
أقول لها وقد طارت شعاعاً *** من الأبطال .. ويحك لم تُراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم *** عن الأجل الذي لك لم تُطاعي
وقد كان ولاء الشعراء في هذه الفترة متذبذباً ولمن يدفع أكثر, فمثلاً
الفرزدق عندما سأله مستخفاً أحد الخلفاء الأمويين وقد رأى علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب يطوف بالبيت: ” من هذا ؟”, رد عليه رداً
عنيفاً عفوياً:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم
وليس قولك “من هذا؟” بضائره *** العرب تعرف من أنكرت والعجم
ويعد هذا أقوى مديح حظي به خليفة أموي لأنه جاء لا نتيجة طمع ولكن
فروسية حقيقية.
وأيضاً “جرير” كان متذبذب الولاء , وقد ظهر في هذه الفترة شعراء
فطاحلة أبرزهم الفرزدق وجرير وجميل والأخطل.
وبنهاية هذا العهد ظهرت “النقائض” وهي “مباريات” هجاء بين القبائل
وكانت توقع العديد من المشاكل فقد تسببت أبيات شاعر عادي في مذبحة
مرعبة للأمويين خلال وليمة خليفة عباسي دموية.
3- الشعراء الموظفون الكبار .
مع ظهور الدولة العباسية تردّى حال الشعر لأن الخلفاء كانوا يعتمدون
الاسلام والنسل الهاشمي مصدر للخلافة وكان لابد للشعراء التأقلم مع
الوضع الجديد, لأن الخلفاء أصبحوا يسيطرون على كل شيء ويستندون
على شرعية مقدسة لا تمس ولا تناقش وأصبح من المستحيل لأي شاعر
تحقيق شهرة بعيداً عن البلاط الملكي, فسرعان ما تحول كل الشعراء
البارزين إلى موظفين في قصر الخليفة وكانت وضيفتهم المدح باستثناء
العباس بن الأحنف الذي كان الاستثناء الذي لا يمدح.
في هذه الفترة فقد المدح برائته عندما كان السابقون لا يمدحون إلا
مستحقاً, وأصبح المديح لا يكتفي بتمجيد الصفات الملكية بل تحول إلى
إضفاء هالة أسطورية للخليفة ترفعه فوق مستوى البشر, وتحول الخليفة
إلى “ظل الله في الأرض” في كل قصيدة عباسية في المديح.
كقول البحتري بأن المنبر يسعى شوقاً لأمير المؤمنين, وترتجف “النطف
التي لم تخلق” خوفاً من الخليفة.
أصبحت لغة الشعر غير مفهومة من الكثيرين, وتظهر غطرسة ابي تمام
عندما سأله رجل:”لم تقول مالا يفهم ؟” فرد عليه: ” لم لا تفهم ما يقال
كان التكلف مسيطراً على الشعراء فأخذوا يسهرون الليالي لكتابة مطلع
جديد للقصيدة بشكل يثير الشفقة على حال الشعراء, كقول ابي تمام:
” السيف أصدق أنباءً من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب”
والذي يمكن فهمه بطرق عدة.
دخل الخمر إلى الحلبة وأصبح معبودة مقدسة عند الشعراء كأبي نواس,
وذهبت البراءة من الشعر الغزلي إلى الفحش.
وكان الهجاء في أوج ازدهاره في هذه الفترة حين بزغ نجم “ابن الرومي”
أعظم شعراء الهجاء في التاريخ العربي ووجه سهامه بكل مفردات
الفحش والبذائه لمن يعاديه وهو ما أدى في النهاية لمقتله بدس السم له
في أكلته المفضلة.
من مساوئ هذه الفترة:
- أصبح الغلو في المديح هو القاعدة.
- الغزل بالمذكر ظهر وأصبح من لعنات الشعر العربي. ( السبب هو تحول
بعض الشعراء إلى التغزل بالغلمان بدلاً عن الجواري في تلك الفترة)
وللأسف استمر هذا حتى عصرنا الحالي.
4. الشعراء التروبادور وثورة الموشحات.
ظهروا في مكان بعيد عن الخلافة العباسية وتحديداً في الأندلس وابتكروا
“الموشحات” ولا يعرف من ابتكرها ومتى وهل هي عربية أم أجنبية
المنشأ ؟ وهل قوبلت بالترحيب أم الرفض ؟
يصفها القصيبي بأنها الثورة الأولى في الشعر العربي لسببين, أحدهما
لأنها كسرت سيطرت الشعر العمودي والثاني لأنها أخرجت الشعراء من
بحور الشعر.
يقول القصيبي بأنه يعتقد بأنها نشأت في أحضان الناي والعود وليست في
أحضان الخليل بن أحمد لأنها وكما يقول الباحث اللامع احسان عباس: ”
ان الموشح لا يمكن أن يدرس منفصلاً عن القاعدة الموسيقية التي ألف
على أساسها”.
5. الشعراء الأجراء.
ظهروا بنهاية العهد العباسي وبعد تحول السلطة السياسية إلى دويلات
تتقاسم العالم العربي ويمتد نفوذها وينحسر بحسب الأحوال والمواهب لدى
الحاكم وقدراته.
اضطر الشعراء إلى التنقل بين الدويلات لعرض خدماتهم على حكام هذه
الدويلات, ويحمل هذا العهد جميع خصائص العهد العباسي في مرحلته
الذهبية مع إصابتها بمرض التضخم.
-الغلو هو الأساس الذي تقاس به جودة الشعر.
- الغزل في الغلمان أصبح القاعدة.
- ازداد شعر الهجاء فحشاً وبذائة.
- زاد شعر المجون مجوناً.
- ظهر “شعراء الكدية” أو التسول وهم يبتزون بشعرهم فيمدحون وإن
لم يعطوا قاموا بالهجاء المقزز .
- وأصبح الشعراء لا يكتبون إلا بمقابل, وقد قال المتنبي قصيدة حصل
بمقابلها على دينار ولذلك تم تسميتها بـ “القصيدة الدينارية”.
ولكن المحير والغريب في الأمر هو ظهور أعظم شعراء العربية المتنبي ,
والذي لا يزال شعره يتردد بين الناس حتى الآن, لأنه كان شاعراً عظيماً
يستطيع تصوير النفس البرية بعيدا عن قيود الزمان والمكان, فمثلاً لم
يصور ضياعه فقط بل ضياع كل انسان حيت قال:
على قلق كأن الريح تحتي *** اوجهها جنوباً أو شمالاً
ويصف نهاية أي حب عبر التاريخ:
نصيبك في حياتك من حبيب *** نصيبك في منامك من خيال
ويصف من جرب هوان الرياء:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى *** عدواً له ما من صداقته بدّ
فأغلب شعره يعمل في كل زمان ومكان وغير مرتبط بعصره فقط رغم وفاته
منذ ألف سنة.
ظهر عملاق آخر هو “المعرّي” رهين السجون الثلاثة: الجسد والعمى
والمنزل, وقد كان فيلسوفاً جرد شعره من كل عرق أو دين أو مكان
وشملت قصائده بحنوّها حتى الحيوانات. وأشهر ما كتبه “رسالة
الغفران”.
والعملاق الثالث بينهم هو أبو فراس الحمداني وهو الشاعر الملك والذي
جعله سوء حظه يعيش في هذا العصر .. عصر الشعراء الأُجراء.
6. الشعراء الحرفيون الصغار.
ظهروا في بداية القرن العشرين والمعروفة فكرياً وأدبياً بعصور الانحطاط.
فبعد أن كانت الخلافة في بغداد للعرب انتقلت إلى نخب عسكرية أجنبية لا
تكاد تعثر بينهم على عنصر عربي واحد, فلم يعد هناك بلاط يؤمن لهم
العيش, وقد قال أحد شعراء هذه الفتره يصف حالهم:
أأمدح الترك أبغي الفضل عندهم *** والشعر مازال عند الترك متروكاً
وأصبح الشاعر يقوم بالعمل اليدوي ويبيع منتجاته اليدوية على الزبائن
بحثاً عن لقمة العيش في دكانه الصغير شأنه شأن أي حرفي آخر في
السوق.
وأصبح الشعر يفصل بالمقاس وحسب الطلب: شعر مديح, شعر رثاء.
ولكن أفضل انجازات هذا العهد “الزخارف اللفظية”, مثلاً:
لقلبي حبيبٌ, مليحٌ, ظريفٌ *** بديعٌ, جميلٌ, رشيقٌ لطيفٌ
وظهرت أشكال من القصائد مثل التشجير وذوات القوافي والمخلعات وما لا
يستحيل بالانعكاس والشعر الهندسي وشعر طرده مدح وعكسه هجاء.
7. ثورة البند المشهورة ( ما يسمى حالياً بشعر التفعيلة أو الشعر الحر)
هي الثورة الثانية بعد ثورة الموشحات وهي ما يعرف الآن بشعر التفعيلة
والذي يراه البعض حديث الظهور ولم يعلموا بأن البند والذي ظهر قبل
عشر قرون هو نفسه التفعيلة الذي ظهر أخيراً وليس كما يدعي البعض
بأنه ظهر بداية بشعر الشاعرة نازك الملائكة أو بدر السياب.
8. القرن العشرون والشعراء الباحثون عن دور.
كعادة التصحيح في كل شيء بالعودة للمصادر الأساسية كمثل السلفية
والعودة للقرآن والسنة النبوية المطهرة, فقد عاد الشعراء في هذا العهد
للشعر العربي الأصيل أيام الشعراء الفرسان وقد كان أول من عاش هذا
الدور الشاعر محمود سامي البارودي والذي أجاد الدور وترك المحسنات
وعاد لجزالة اللفظ , قال:
وأني امرؤ لولا العوائق أذعنت *** لسلطانه البدو المغيرة والحضرُ
من النفر الغر الذين سيوفهم *** لهم في حواشي كل داجية فجرُ
وظهر بعده أمير الشعراء أحمد شوقي وكان أكبر حضاً من البارودي لأنه
كان في بلاط الخديوي.
وقد أجاد شوقي في شعره ويكاد قارئ قصائده يظنها قصائد من العهد
العباسي الذهبي لما فيها من الغلو في المديح.
كان غزير الشعر, فقد كتب شوقي 23500 بيت شعر مقارنة بـ 17000
بيتاً فقط للمكثار “ابن الرومي”.
[ كلام طويل عن شوقي مع أمثلة عديدة في الكتاب ].
9. ثورة التفعيلة.
حصلت في الاربعينيات من القرن الماضي هذه النوعية من الشعر الحر
وأعتقد أنها معروفة ..
.
.
ماقرأته إلى هنا ممتع وجميل وكما تلاحظون أنه لابد من
وجود لمســـــات القصيبي التي عهدناها منه .. وهناك
من يقول أنه تطرق للشعر العربي بطريقة هجائية فكاهية
وسأبحـــــــث عن هذا عند قراءتي للكتاب بإذن الله ...!
فمــــــارأيكم أخوتي بهذه المُقتطفات ؟؟؟ .. وبالنسبة لن يكفيني
إلا قرأته والإطـــــــــلاع عليه من الكتاب وجهاً لوجه:)
ودمــــــــــــتم .
.
.
مع خالص تقديري لكم .