بسم الله الرحمن الرحيم
عورش
جنة كانـــت ثم بادت
إعداد
فهد بن فريج المعلا الوابصي البلوي
الشكرالجزيل لـ
عوض بن عمار الميهوبي وأبناءه
سليمان بن جزاع الحمراني
وكل من ساهم في انجاز هذا العمل
***************
عورش
جنة كانت ثم بادت
عورش هجرة بين جبال ضيقة ذات عيون جارية وبساتين نضرة وزروع ومقام حصين ؛ بها آثار ورجوم لحضارات قامت وتعاقبت فيها لمئات السنين ؛ وقد سكنها في الماضي القريب قبيلة المواهيب من بلي وكانت عامرة السكان ؛ وكانت الأنعام تملأ الوادي ترد العيون وترتوي منها ؛كما كانت مقصدا لمن حولها يتزودون من خيراتها وثمارها ؛ وبها درب قديمة إلى الحجر وثربة والعلا
وفي هذه الجولة السياحية سأحدثكم عن طبيعتها ؛عن عيونها وآثارها وابرز معالمها . وأخبركم عن سكانها وشيء من تاريخها وماضيها وماضيها القريب ؛ وافصل لكم ما ينسب للمواهيب من آثار وما ينسب للقرون الخالية ؛ وأعرج في الختام على ما آلت إليه وما حل بها من دمار وهلاك وعن أسباب هجران سكانها لها بعد أن كانت منبع حياة لمئات السنين
الطريق إلى عورش
إذا رغبت في زيارة عورش واستكشافها فإن طريقها من قرية البلاطة بعد أن تتجاوزها بكيلين أو ثلاثة ؛ يقابلك وأنت متجه إلى العلا على اليسار طريق ممهد بطول 27 كيلا تسير منها 16 كيلا ممهدة ثم تواجهك بيوت مهجورة ثم 11 كيلا شديدة الوعورة لن يقطعها صاحب (الجيب) إلا بشق الأنفس .
وفي طريقك إلى أعلى الوادي وقد أضناك المسير وطال بك الطريق تفاديا للحجارة والصخور تدرك بيسر سر جهل الباحثين عنها وسر غياب ذكرها في معاجم البلدان مع عظم قدمها في التاريخ ؛حيث لم أجد لها ذكرا إلا في كتاب معجم معالم الحجاز لعاتق بن غيث البلادي يقول: عورش منطقة ضيقة بين الجبال والشعاب وعورش من العرش أو العريش واد لبلي يصب في الجزل من الشرق قبل التقائه بوادي القرى فيه عيون وقرى لبلي وآثار قديمة تدل على قدم عمارة ذلك الموضع. انتهى كلامه
حين تقترب من أول النخيل تستثيرك مناظر الرجوم المنتشرة بانتظام في الجبال وكأنها لحراس ومحاربين يحفظونها من الغرباء الأعداء وحتى ليخيل للرائي أنهم الآن يترصدون المارة وأنهم سيخرجون مهاجمين في أية لحظة .
عورش وعوراش
تتفرع عورش إلى شعبين اثنين(عوارش) على يمين القادم و(عورش) على يساره وقد غلبت تسمية الثانية عليها لكثرة عيونها وبساتينها بخلاف عوارش التي تكثر في جبالها الرجوم والحيطان والسراديب وليس بها إلا عين واحدة وأخرى مدفونة وفي ذلك رواية قصها لنا عوض بن عمار الميهوبي ( صاحب أول النخل في عورش على اليسار؛ يسكن حاليا في البلاطة ) وهي رواية أشبه ما تكون بالأسطورة الخرافية
قصة الضيفين
يقول ابن عمار : كانت عوارش ذات عيون جارية وكان ماءها يسيل حتى يصل إلى أسفل الوادي وكانت هي العاصمة – كما اسماها – ولكنها هلكت وبادت بسبب دعوة أصابتها من رجلين غريبين أتيا إليها لا يعلم احد عنهما شيئا .قصدوا الوادي يريدون ضيافة أهله ولكن أهالي عوارش طردوهم (وانخوا) عليهم كلابهم فانحرف الرجلان عنها وقالوا( أنت خراب منتي عمار ؛ دمار منتي عمار) فكان هذا سبب خرابها وهلاكها ولم يبق منها إلا أثارها .
ثم اتجه الرجلان إلى عورش في الجهة اليسرى وكانت (عوينات عورش) (تصغير عين) يقال لها عوينات الحمير لا يردها الناس لقلة ماءها ولم يكن بها إلا راعي غنم – يملك شاة واحدة فقط – فيمموا بيته يستضيفونه وكان لراعي الشاه ولدين فاستقبلهم مهللا ومرحبا وادخلهما بيته وذبح لهما شاته الوحيدة ورأى الولدان فعل أبيهم بالشاة فاخذ أحدهم السكين وذبح الآخر؛ ففزعت أمهم لكنها كتمت الأمر مخافة أن تفزع الضيوف وقامت الى ولدها الميت ومددته على فراشه كأنه نائم ؛ وحين قدم رب البيت العشاء للضيوف طلبوا منه أن يوقظ الصبية فقالت المرأة الأولاد نيام فأصروا على إيقاظهم ورفضوا تناول العشاء حتى يحضر الصبية فكرر عليهم رب البيت الدعوة: يا ضيوف الأولاد نيام؛ تعشوا ( يا ضيوف حياكم الله العيال نوما ) فرفضوا وعندها قام احدهم فأقعد الصبيين واحيا الله الصبي كأن لم يكن به باسا فشهقت المرأة وقالت: ( لا اله إلا الله واحد لا شريك له ) وقالوا بارك الله لك…
فبارك الله له واحيا أرضه وتفجرت ينابيعها والتي لا تزال إلي يومنا هذا!!!
آثار المواهيب وآثار الأمم السابقةوادي عورش متحف مكشوف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ؛ يتضمن عشرات من الرجوم والآثار التي تتنوع وتتفاوت في القدم والإتقان وتتضارب الروايات في نسبتها . حيث يتفاجأ الزائر إليها وتعتريه حالة من الذهول والحيرة وتتبادر في ذهنه عشرات من الأسئلة عن سر هذا الوادي ومن سكنه وعن هذه الآثار ونسبتها والتي اجزم أنها تتطلب سنوات من البحث فيها وفي تاريخها وتنقيب آثارها من قبل علماء متخصصين درسوا هذا العلم وأتقنوه ؛ والمؤكد أن قدراتي لتقصر دون هذا الهدف ولكن كسائح زار القرية لأكثر من مرة وقابل عددا من أهاليها السابقين واستمع إليهم ساروي مشاهداتي وانطباعاتي وسأدلي بدلوي واطرح رأيي للتجاذب معكم ؛ رأيي الذي يحتمل الإصابة و الخطأ .
فأقول وبالله استعين من خلال مقابلتي لعدد من أهالي عورش السابقين وزياراتي المتكررة لهذه الهجرة استطيع أن اقسم الآثار الموجودة فيها إلى قسمين:
1 آثار لا خلاف في نسبتها لقبيلة المواهيب وتتصف بقرب عهدها وبدائيتها وتفتقد الإتقان كالبيوت الصغيرة و( الزرب ) ومرابد التمر وحدود البساتين .
2 والقسم الثاني من الآثار هي آثار الأمم السابقة ممن سكن هذا الوادي مجهولة النسبة والتاريخ وتتميز بكثرتها وقوتها وتتصف بالإتقان في بعضها وضخامتها كالقصر المتهدم في الوادي بالقرب من العين الشلالة والرجوم المنتشرة في الجبال والسراديب وبعض المدرجات
هذا المسكن البدائي البسيط هو من الآثار القريبة العهد لسكانها المواهيب
من الآثار الأخرى لقبيلة المواهيب
يسمى هذا الاثر بالمربد يربد فيه التمر
من سكن عورش ولمن هذه الآثار
ليس من الصائب أن نتحدث عن تاريخ عورش بمعزل عن القرى المجاورة لها ( ثربة وشلال والحجر – مدائن صالح – ووادي القرى – العلا- ) وكذلك الحضارات والممالك التي قامت فيها وذلك لأسباب تقاربها الجغرافي فيما بينها ولتشابه الآثار فيها حتى في التفاصيل ؛ لذلك من المجدي أن نعتبر عورش جزء من مملكة كانت قائمة في هذه القرى سواء كانت لشعوب أو ممالك أو قبائل .
لكن بما أني لست باحثا متخصصا في مجال التاريخ البشري ولمخافة تشعب الحديث وإطالته اكتفي بإيراد مختصر للروايات التي بلغتني عن الأهالي والتي قد تساندها وتؤيدها الكتب التاريخية :
· ينسب بعض سكان الهجرة الآثار والقصور إلى زمان قوم ثمود وأنها تشكل هي والحجر وثربة وشلال دولة في ذلك الزمان وان العذاب شملهم عندما كذبوا صالحا وعقروا الناقة .قال تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ*إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ *أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ* ) سورة الشعراء .
وقال تعالى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا
لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) سورة الأعراف.
· ومنهم من يقول أنها ليهود وأنها من قبل الإسلام وهذا القول قريب للصواب فقد سكن اليهود المدينة وخيبر والعلا وهم أهل عمارة في الأرض فلا يستبعد أن تكون هذه الديار من ضمن مساكنهم
· ومنهم من يقول أنها لقبيلة شمر وهذا الرأي مستبعد لعدم وجود ما يسانده البتة
· ومنهم من يقول أنها لقبيلة عذرة قوم جميل بثينة وهذا الرأي قوي حيث تؤكد الروايات التاريخية أن شلال من ديار قبيلةعذرة وشلال تماثل عورش في كل شيء وتجاورها
يقول جميل بثينة:
فلولا ابنة العذري لم تر ناقتي ***** شلال ولم أعسف بها حيث أعسف
· وتوغل بعض الروايات في الخيال وتذكر أن هذه الآثار هي على زمن نوح وان نوح دعا عليهم فغمرتهم المياه وهذا الرأي مستبعد لاعتبارات عدة
· ومن قائل أنها على أيام الرومان
لكن ما يجمع هذه الأقوال جميعا أنها تؤكد كونها هجرة موغلة في القدم
هذه بعض الروايات التاريخية عن نسبة هذه الآثار وعن سكان هذه المنطقة ولكن من المعلوم الذي لا خلاف فيه أن قبيلة المواهيب من بلي قد ورثوا هذه الأرض ( عورش وشلال وثربة ) وأنها مساكنهم الآن وبها بساتينهم ونخيلهم ولا تزال إلى الوقت الحالي
ابرز الآثار والمعالم في هجرة عورش:
القصرالمتهدم
في وسط الوادي يقع ما يعرف بين السكان بالقصر الذي هو الآن أكوام من الحجارة ولم يبق من معالمه إلا القليل ؛ هذا القصر الذي يعتقد انه لزعيم الوادي هو قلعة كبيرة مزينة واجهاتها بحجارة منحوتة ذات لون جميل ومزينة كذلك بالجص وهو الفخار الذي يجده الزائر بكثرة حول القصر.
صورة من أعلى القصر تظهر بعض جوانبه
الحجارة المنحوتة استخدمها الأهالي في الماضي القريب في بناء مسجد بدائي لهم
تتشابه طريقة نقش هذه الحجارة مع آثار مدائن صالح في الحجر ولو يصح مني افتراض لافترضت أن هذا الوادي وشلال وثربة هي مساكن قوم ثمود ومدائن صالح هي قبورهم كما هو موثق في كتب الآثارمن أن مدائن صالح هي مجرد قبور
هذا السرداب هو من الآثار القديمة التي لا يعلم متى أنشأت كما اخبرني بذلك أكثر من راوي
صورة للسرداب من الداخل يمتد لمسافة تقارب العشرين مترا
ويمتد السرداب تحت هذا المدرج الذي كذلك لا اعلم هل هو مدرج زراعي أم ماذا
الرجوم
صورة مقربة لإحدى المساكن في سفح الجبل
آثارأسوار ورجوم قد تنبأ بكون غالبتيهم كانوا يعيشون في الجبال والقلة الغنية في الوادي
عشرات من الرجوم في سفح الجبل قبل وصول العيون وقد انقسم الرواة فيها إلى قسمين فمن قائل أنها مساكن لهم ومن قائل أنها أماكن مراقب لحماية الوادي والدفاع عنه من الغزاة الطامعين في خيراتها وكلا الرأيين له وجاهته.
مساكن وآثار قديمة في الجبال تدل على الكثافة السكانية العالية في هذاالوادي
بعض رجوم المواهيب وبساتينهم وفي سفح الجبل البعيد تظهر رجوم
وآثار لمساكن كثيرة جدا يجزم الأهالي أنها موغلة في القدم
العيون والآبار
تكثرالعيون في وادي عورش وقد وقفت على ثلاثة منها لا تزال نابعة بالماء ؛ وفيها كذلك عيون أخرى مدفون من آثار السيول أو الإهمال أو انقطاع الأمطار لفترات طويلة . )وفي الصورة العين الرئيسية في الوادي وتسمى بالشلالة وعليها تعيش غالب البساتين وينبع ماءها من الصخر من جبال الحرة ولا تزال جارية منذ مئات السنين(
ينبع الماء من هذا المكان ويصب في حوض كبير من إنشاء المواهيب يقول ابن عمار الميهوبي كان الأهالي يتقاسمون هذه المنطقة ويتقاسمون كذلك العيون بنظام دقيق فكانت الشلالة تصب في الحوض الكبير حتى تمتلئ بالماء و لها عدة منافذ ومجاري للمياه توصل الماء إلى جميع المزارع المجاورة لها كلما انتهى صاحب مزرعة أغلقها وفتحت للذي بعده.
الحوض الذي بجوار الشلالة وان كان غير واضح المعالم ومدفون فيغالبه إلا أن المتمعن النظر فيه يكتشف انه حوض كبير يتجمع فيه الماء ومن ثم تفتح خرزة من له الدور من أصحاب البساتين
ممر لجداول الماء بين البساتين
هذه العين في عوارش
من عيون الوادي
مجاري المياة من تحت جذوع النخل
بئر قريبة الماء في عوارش
عين مدفونة انقطع ماءها في عوارش
الجنة الجميلة ذات العيون الجارية والأشجار الباسقة والثمار اليانعة هي اليوم واد موحش لا حياة فيها ولا سكان ؛ هجرها أهلها إلى القرى والمدن المجاورة وتخلوا عن بيوتهم وبساتينهم وتركوها خاوية على عروشها لتكون آثارا لهم تنضم إلى متحف الأمم السابقة في هذا الوادي ولتكون شاهدا على حقبة من حقب التاريخ ؛ يقول ابن عمار (في وقت الصيف تجد البيوت والرجال والأنعام والحلال يرد ويصدر عليها وكانت ارض خير ونعائم والحمد لله اليوم جمدت على ما هي عليها وأهلها ألي كانوا صابرين عليها ماتوا ؛ كلهم تحت التراب ) .
ويذكر ابن عمارأسبابا كثيرة من كونها لا توجد بها خدمات ولا مدارس وأنها ضيقة بالنسبة لغيرها من المدن والقرى ووعرة وخطرة في أوقات الأمطار والسيول ؛ كل هذه الأسباب جعلت أهلها يهجرونها إلى ثربة والحجر في الجهة المقابلة من الحرة والى البلاطة والنشيفة وغيرها من المدن
ويقول أن الأهالي طلبوا من الدولة المعونة والمساعدة على حفر العيون التي دفنت جراء السيول والأمطار والنخل الذي مات بسبب تهدم مجاري الري لكن لم تلق استجابة من احد!
ولا حول ولا قوة إلاب الله العلي العظيم
· عورش وشلال وثربة قرى متشابهة : تحاذي عورش حرة العويرض وتقابلها في الجهة الأخرى من الحرة قرية ثربة وقرية شلال اللتان تشابهانها في توفر العيون وكثرة البساتين ووجود الآثار والرجوم والقصور إلا أن عورش تتميز عنهما ببقاء أثارها كما هي دون عبث أو تدخل من قبل احد وذلك لصعوبة الوصول إليها ووعورة طريقها كما ذكرنا .
· للعلم طريق عورش من جهة البلاطة وطريقة ثربة وشلال من جهة العلا
احدى الكتابات التي قد تكون قريبة العهد وقد تكون قديمة وان كنت اميل الى الراي الاول .
· من الروايات التي ورد في الكتب انه قامت في وادي القرى مملكة دادان والتي ينسب لها علماء الاثار الجبال المنحوتة .
والصلاة والسلام على النبي الأمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم
فهد المعلا