اقتباس:
الدين لا يأتي بجديد في مجال التعامل الإنساني ويستمد في الغالب مادته الدينية أو التنظيمية من الأديان السابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يتضمنان شواهد كثيرة تصلح لبناء فكر إنساني جديد بعيداً عن التعصب والتشدد المسلمون لا يزالون متبنين التفسير المغلق لآية (لا إكراه في الدين) الدعوة لقتل إنسان لم يرتكب جرما في حق الآخرين ولمجرد رغبته في الخروج من الدين الإسلامي فيه تشويه لمفهوم الحرية الدينية لماذا يهجر المسلمون نصا إنسانيا لصالح حديث آحاد لا يصح الأخذ بمضمونه عند تطبيق الأحكام?
الفكر الجديد الذي يحتاجه المسلمون لبناء ثقافة بديلة عن الثقافة الدينية السائدة يستمد مرجعيته من مصادر عدة مثل الدين والأخلاق والتراث الإنساني والعقل. وسنركز في هذه الشاردة الفكرية على الدين كمرجعية فكرية إنسانية, وليس كمرجعية عقائدية, آخذين بعين الاعتبار ان الدين بشكل عام لا يأتي بجديد في مجال التعامل الإنساني, وأنه يستمد في الغالب مادته الدينية او التنظيمية من الأديان السابقة ومن التراث الإنساني القائم في الواقع الذي نزل فيه كدين. فالتوحيد مما عرف في الأديان السماوية السابقة, والصلاة والحج مما عرف كذلك, بل ان مشركي مكة مارسوا بعض شعائر الحج التي أقرها الإسلام, وكذلك الأمر مع بعض أحكام المواريث والعقوبات, وقد بحث ذلك في أبحاث وكتب كثيرة لم تجد للأسف الاهتمام الكافي في أمة لا تقرأ. يتضمن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة شواهد كثيرة تصلح لبناء فكر إنساني جديد بعيداً عن التعصب والتشدد, نعرضها على الوجه التالي: 1- الحرية الدينية, كما تضمن قوله تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). المسلمون للأسف لا يزالون يتبنون التفسير المغلق لهذه الآية, بدلاً من التفسير المفتوح, ان جاز التعبير, وهو (اي التفسير المغلق) ان الاكراه مرفوض دينيا في أفق واحد هو, عدم اكراه احد على اعتناق الدين الاسلامي, لكن حين يعتنق الدين, فلا بد من الاكراه للبقاء في هذا الدين باستدلال لحديث نبوي (من بدل دينه فاقتلوه). في حين أن الآية مفتوحة ومطلقة متمثل ذلك في حق كل إنسان ان يدخل هذا الدين وان يخرج منه كما يشاء, لأن الله لا ينفعه إيمان مؤمن ولا يضره كفران كافر, لأنه سبحانه غني عن العالمين. لذلك فان الاصرار في إلصاق تهمة الردة بمن يخرج عن الدين في أي صورة والدعوة لقتله, أمر يتجافى اليوم مع قيم ومفاهيم حقوق الإنسان التي تنص على حق الإنسان في اعتناق اي ديانة يريد. ولا شك ان الدعوة لقتل انسان لم يرتكب جرما في حق الاخرين ولم يعتد على احد, بل لمجرد انه يريد باختياره الخروج من الدين الاسلامي لاي سبب كان, فيه تشويه لمفهوم الحرية الدينية. وما ضر المسلمين لو تركوه? خصوصا وان الحكومات المسلمة اليوم لا تجرؤ على سن مثل هذا التشريع ولا تستطيع - بسبب الواقع - أن تحول الحديث النبوي الناص على القتل الى قانون. إذن لماذا نشوه سمعتنا الدينية ونخالف جميع الأمم في هذا الامر? أليس من الافضل الافتخار بالاعلان عن ايماننا كمسلمين بنبذ هذه التهمة غير الإنسانية, والتركيز على حق الإنسان في حريته الدينية? لكن استمرار المسلمين من خلال رجال الدين والأحكام القضائية التي تسجن وتغرم من يتهم بهذه التهمة, وما يؤدي إليه ذلك من دفع بعض المتشددين الى القيام بالاعتداء او الاغتيال للفرد المعني بالردة, فيه ضرر واي ضرر لسمعة الدين الاسلامي على المستوى العالمي. هل فكرنا ولو قليلاً في هذا الامر? النص القرآني سالف الذكر, نص إنساني بكل معنى الكلمة, لماذا يهجره المسلمون لصالح حديث آحاد لا يصح الأخذ بمضمونه عند تطبيق الأحكام? 2 ¯ حرية الفكر من الحريات التي يناصبها المسلمون العداء دون سبب فأعنتوا انفسهم باختلاق جرائم لا اصل لها في الشرع مثل المساس بالدين والانبياء والصحابة لا لشيء سوى حماية الوهم المركب في عقولهم بأنهم حماة الدين, متجاهلين حقيقة القدرة الالهية التي تستطيع ان تدمر العالم ولكن( لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ماترك على ظهرها من دابة) والله سبحانه هو الذي يدافع عن الذين آمنوا, وليس العكس. والله سبحانه ارسل رسوله مبلغا وشاهدا ونذيرا ولم يرسله لمعاقبة من يتكلم او يكتب حتى ولو كان ضد الدين خصوصا اذا لم تكن النوايا كذلك وترك الدين كل انسان ان يعمل ¯ وليس فقط ان يكتب او يقول ¯ على شاكلته.. فلماذا يظهر المسلمون امام الناس بمظهر المجرمين بحق الحريات الفكرية? مامن باحث يقول كلمة في دين الله الا وتمت جرجرته الى النيابة والمحاكم! وما من ملحن او فنان يتغنى بأية حتى طالبوا بسجنه وجلده. ماذا علينا كمسلمين لو تركنا ممارسي هذه الحريات وشأنهم ما لم يسعوا فعلا لاكراه الناس على اتباعهم? ماذا علينا لو حاورناهم واعتبرنا مايقولون او يكتبون ليس سوى رأي? واذا كان المسلمون مؤمنين حقا بدينهم فلن يضرهم رأي هنا ورأي اخر هناك لكنهم يعتبرون انفسهم حماة الدين, فيحجرون على الرأي ويمنعون الكتب الفكرية ذات الطابع النقدي للموضوعات الدينية فيسيئون الى الدين ويعتبره الاخرون دينا لايحترم حرية الرأي او التعبير. 3 ¯ من النصوص الدينية المشهورة (الدين الخلق) و(الدين المعاملة) هل نحن نؤمن فعلا بهذه الاحاديث? هل نتعامل مع الناس بخلق حسن, وهل نعامل الاخرين بما تعارفت عليه جميع امم الارض الاحترام المتبادل? للاسف كلا وليس ادل على ذلك من سيل الفتاوى السنوية التي تدعو جميع المسلمين الى عدم تهنئة غير المسلمين في اعيادهم او مشاركتهم في افراحهم لان ذلك موالاة لهم في حين ان الاصل ان نتبرأ منهم. ويدعم اصحاب الفتاوى هذه بحشو الكثير من الاحاديث والايات والاجتهادات دع عنك الدعوة لكراهية الاخر خصوصا اليهود باستخدام الاية القرآنية »اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا« وهذا صحيح في ظل الصراع اليهودي النبوي في المدينة. اما اليوم فلا معنى لمعاداة يهودي لايحتل ارض المسلمين ولم يعتد عليهم. ولو عرضنا اصل الدين بأنه دين الخلق ودين المعاملة لاسترحنا وأرحنا الاخرين بدلا من اظهار العداوة والدخول في صراع دائم معهم. 4 ¯ ايات السيف والقتال في النص الديني من قرآن وسنة كثيرة ويروي المفسرون انها ايات ناسخة لايات السلم والمهادنة علما بأن نظرية الناسخ والمنسوخ ليست مقبولة لدى الجميع ولكن على اعتبار انها موجودة هل هذا زمن يصح الاخذ بها ونحن تتناوشنا الامم من كل حدب وصوب بسبب سوء تفكيرنا وافعالنا ?لماذا لانعلي من شأن آيات واحاديث السلام والود والمحبة, لماذا يجب علينا ان نجعل الحياة جهادا مقدسا متصلا ضد الاخرين ونحن احوج مانكون للسلام حتى نبني أوطاننا? لماذا لانقرر أسبقية الحوار على الجهاد? لماذا لانتفاوض مع الاخرين كمحبين للسلام? 5 ¯ هل الدين الاسلامي في اصوله ضد الحقوق المدنية والسياسية للمرأة? اقول بكل يقين لو أننا فهمنا الدين في اصوله لما احتجنا للدفاع عن ديننا. النص الديني لم يعرض اصلا لهذه الحقوق, نحن الذين عملنا منها قصة بسبب مفاهيمنا الذكورية ثم اسقطناها على النص, فأدخلنا الولاية في الموضوع من دون داع, واستبدلنا المفاهيم المدنية بمفاهيم ذكورية خالصة. ماضرنا لو اننا قبلنا لها هذه الحقوق كانسانة, حتى ولو كانت بعض النصوص الدينية ¯ خصوصا الاحاديث النبوية ¯ تمثل قيدا مقبولا في زمن غير زمننا? لماذا هذه السرمدية في فهم النص الديني? ألا تختلف الازمان والاماكن في مفاهيمها لقضايا المجتمع? لماذا نحن من دون أمم الارض قاطبة نقف ضد المرأة? 6 ¯ يقرر القرآن الكريم ( ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) هل نحن كذلك ? هل شرحنا وعرفنا ماهي هذه الامانات والحكم بالعدل التي يأمر بها الله عباده بغض النظر عن دينهم او لونهم او جنسهم? هل نحكم بالعدل حين نقرر تشريعا يمنع غير المسلم من الحصول على الجنسية للبلد الذي ولد او عاش فيه سنين حياته? هل يوجد نص ديني يقرر مثل هذا الظلم? اقول بضمير مستريح, لايوجد. وهل من الامانة في شيء ان نطرد الانسان غير المواطن ¯ ايا كان دينه او جنسه ¯ لمجرد انه ليس لديه اقامة او اننا لم نعد بحاجة اليه? هل يقول الدين ذلك? بالطبع, لا . هل من امانة الحكم والعدل ان يحرم الانسان من العمل والعلاج والهوية لمجرد انه »بدون«? الحديث في هذه المسائل يطول, ولذلك لابد من البدء بالعمل لبناء هذا الفكر الجديد القائم على ثقافة التسامح في المقام الاول. ولابأس ان يكون مصدرا من مصادر البناء الى جانب التراث الانساني والعقلانية, لانه من دون مثل هذا الفكر لن يستطيع المسلمون العيش بسلام في هذه الدنيا سواء مع انفسهم او مع الغير, ومن ثم لن يستطيعوا ان يشاركوا ال¯آخرين في بناء هذا العالم.ومما يجب ان يعلم ان العالم يدعونا للمشاركة ثم اذا لم نستجب سيهملنا , فاذا ماقاومنا واردنا التخريب فسيقاتلنا ويهزمنا في عقر دارنا. هذا التفكير الجديد, لايمكن ان يقوم على انقاض الفكر الديني, بل يحتاج الى هجر الفكر الديني, كمن يهجر مسكنه لبناء مسكن جديد صحي ونظيف, بعد ان اصبح السكن الاول غير صالح للسكنى والحياة. واذا ماتساءل سائل: هل نتخلى عن كل هذا التراث من اجل عيون الغرب? فالاجابة: تخلى عما يضرك الأخذ به من اجل عيونك انت حتى تتمكن من رؤية العالم الجديد بوضوح وأمل.
\ نتوقف عن هذه السلسلة موقتا بدواعي الاجازة للترويح عن النفس خلال الاسبوعين القادمين.
أحمد البغدادي