حذر الباحث الاجتماعي خالد الدوس ، من ارتفاع معدلات الاستهلاك الترفي في المجتمع السعودي ، الذي يمثل مرضا من الأمراض الاجتماعية و الاقتصادية التي تعاني من إرهاصاتها معظم المجتمعات المترفة ، لا شك إن مجتمعنا السعودي مصاب بمرض الاستهلاك الترفي ، الذي يصل إلى حد السفه، حيث إن الأكثرية ينفقون المال على سلع كمالية ، ودائما ما تكثر في شهر رمضان الكريم ، فلو إنها تستهلك فلا باس ولكن يذهب منها الكثير إلى النفايات ، و أكثر هذه الأطعمة غير ضرورية ولكن بقصد التباهي ، وحب اظهار الترف ، واظهار النعمة شيء مرغوب ولكنها لغرض شكر الله وإطعامها لمحتاجيها .بسم الله الرحمن الرحيمالأسراف الترفي
إن التباهي وحب الظهور في بعض المجتمعات أجمع عدد من علماء النفس والاجتماع بأنه تعويض نقص إجتماعي مركب ، والإسراف في الأكل والملبس والمشرب الخارج عن قواعد الضبط مع الأخلاقي والديني والاجتماعي ، إن سلوك الإسراف والتبذير داء فتاك يهدد الأمم والمجتمعات ، ويبدد الأموال والثروات وهو سبب للعقوبات والبليات العاجلة والأجله ، إن الإسراف سبب للترف الذي ذمه الله في قوله ( وأصحاب الشمال وما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين )
إن الاستهلاك الترفي يعد مرضا اجتماعيا نفسيا اقتصاديا ، يظهر في مجتمعنا بسبب غياب الضابط الاجتماعي في عملية الاستهلاك الترفي ، لاسيما ان هذه الثقافة الاستهلاكية المناهضة للقيم ، لا شك تمثل هدراً للإمكانيات الاقتصادية ، وسقوطا للشيم الأخلاقية. إن نمط السلوك الاستهلاكي الترفي يتأصل لدى الطفل منذ الصغر ، وعملية التنشئة الاستهلاكية هي عملية مستمرة بتعليم الطفل ، من خلالها المعارف والمهارات ، والاتجاهات التي تتناسب مع حصوله المنتجات . إن دور الأسرة مهم في غرس قيم الوعي الاستهلاكي في وجدان الطفل ، وإتجاهاته الفكرية . فالطفل يتعلم السلوك الاستهلاكي لعملية الشراء ومفهوم الميزانية ، ولكنه نادرا إن يحدث في مجتمعنا .
إن حمى الاستهلاك الترفي طالت حتى أصحاب الدخل المحدود ، في مجاراة للنمط العام . إن مظاهر الترف والاستهلاك المفرط في المجتمع السعودي وما يعانيه من بذخ وإفراط وإسراف معيشي لدى معظم الإفراد والأسر ، يرجع ذلك إلى السلوك المخالف للضابط الشرعي والقيمي إلى عوامل عدة مثل ارتفاع مستوى الدخل والتعليم أو الاختلاط بالثقافات التي أثرت أو ألقت بظلالها على بيئة المجتمع ، بسبب وتيرة التحديث والمعاصرة أو الإقامة في المناطق الحضرية ، وغيرها من الخصائص الاجتماعية ، والاقتصادية . وإن كان في ظاهرة مكتسب إلا إنه في حقيقة الأمر يرتبط بعوامل متعددة ، عوامل قد تتعلق بالشخص كالاستعداد النفسي ، وإشباع الحاجات الأساسية إضافة إلى عوامل تتعلق بالمجتمع كالظروف المحيطة بالفرد ذاته والتي ربما تكون مشجعه لنمو هذا السلوك المشين .
فديننا وسط أمتاز بالوسطية في كل شيء ، والوسط في الإنفاق يقول سبحانه ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ) والوسط في الطعام والشراب ، فالمبالغة في الإكثار تسبب كثيرا من الأمراض ، والمبالغة في الإقلال تلحق بصاحبها الضعف والهزال .
وسطية هذه الأمة مستمدة من وسطيتها ومنهجها ونظامها منهج الاعتدال والتوازن ، لو جًليت وسطية هذا الدين لوجد التائهون فيه ضالتهم المنشودة وسعادتهم القلبية ، ولعلموا أن هذا الدين مبني على جلب النفع للعباد و دفع الضرر عنهم ، تتمثل الوسطية في الموازنة الدقيقة بين حقوق الله وحقوق العباد ، موازنة بين التكليف وبين الاستطاعة . فالمؤمن حقا يجب عليه مراجعة نفسه بين كل حين يستعرض علاقاته مع ربه جل وعلا ، ويستعرض علاقاته مع الغير مع نفسه مع أسرته فأن رأى تقصيرا وجب عليه التصحيح ، إذا الإنسان يجب أن يعي انه مراقب من الله سبحانه وتعالى ، فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه ، وأنه مطلع على ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه ، وخشي الله عز وجل ، نعم الذي يتصور أن الله يراه لا يقدم على معصية ، هاهي مراقبة الله تحمل على ضبط النفس والسيطرة عليها ، وترفع منزلة العبد ليكون من الذين يظلهم الله في ظله ، كيف لا يراقب الله من علم صفات كماله سبحانه من القدرة المطلقة والعلم الواسع والاطلاع الشامل ، من علم ان في الغد حسابا وجزاءً ، تنصب فيه الموازين ، وتنشر الدواوين ، إذا وجدت هذه المراقبة فسترى المسؤول الذي يتقي الله فيمن ولي عليهم ، الذي يراقب الله لا يمكن أن يضع في رصيده درهما من حرام أو دينارا من سحت ، هذه المراقبة تحرس المسلم وترعاه إذا خلا بنفسه ، فلا ينتهك حرمات الله ، ولو أخطأ وزلت قدمه تذكر اطلاع الله ، تئن المجتمعات من تفلت الناس من ثوابت القيم والأخلاق وتطفو فوق السطح مظاهر عجيبة لسلوكيات مشينة خيانة الأمانة إهمال الموظف غش التاجر تفريط المسؤول ، شيوع الرشوة ، أكل الحرام ، التزوير في الأقوال تسن القوانين وتشرع الأنظمة للقضاء على تلك السلوكيات ، لكنها تبقي عاجزة ، بل تعلن فشلها الذريع فالقانون مهما بلغت قوته ومهما كانت دقته لن يمنع الانحراف ، ولن ينزع الشر من النفوس ، قد يخفف منها ظاهرا لكن تبقي النفوس الفاسدة تهواها ، تعانى كثير من المجتمعات الإسلامية في ميادين العمل من ضعف الإنتاج ، وإهمال الواجب وشيوع التسيب ، ومظاهر الفساد .
والعلاج الناجع الذي يأتي على المشكلات من جذورها هو إحياء مراقبة الله ، نعم مراقبة الله تفضي إلى إتقان العمل وزيادة معدلات الإنتاج ، وتقضى على دواعي التسيب وأسباب الإهمال ومأرب الفساد ، أما القوانين والتنظيمات البشرية فلن تأتي على التسيب والإهمال والغش من جذوره ، لأنها لا يمكن أن توفر لكل موظف رقيبا ، وكل معلم مديرا ، وكل تاجر أمينا ولكل قائد عربه رجل أمن ، ولكن منهج الإسلام يغرس في قلب كل مسلم وازعا داخليا وضميرا يقظا ومراقبة حية ، تجعله يراقب خالقة ظاهرا وباطنا في الخلوات والجلوات ، هذه المراقبة لن تزرع بين عشية وضحاها ، إنها تتطلب قدرة ، وتربية وتنمية ، يقوم على ترسيخها كل راع مع رعيته ، إذا تمكن من غرس مراقبة الله فإن الجريمة سينحصر مدها وزاوية الانحراف سيطبق* اتساعها ، وسيعلم المجتمع ، لان كل فرد سيكون رقيبا على نفسه من نفسه في أسرته في مجتمعه في عمله .
عبد الهادي الطويلعي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات