إن المتأمل لحركة الفتح الإسلامي يلاحظ بأن مشاركة فبيلة بلي في الفتح اتجهت باتجاه مصر وشمالي إفريقيه والأندلس شأنها شأن القبائل التي أستوطنت بلاد الشام ، ويلاحظ ذلك من خلال كثافة استيطان أبناء هذة القبيله منذ فترة مبكرة لمصر وشمالي أفريقية والأندلس، فضلاً عن بروز العديد من القاده الذين شاركوا في فتح تلك البلاد .
ولعل نظرة سريعة على أسماء الصحابة الذين شاركوا في فتح مصر توضح لنا حجم مشاركة هذه القبيلة في تلك الفتوح ، فمن هؤلا الصحابة أبو عمرو مبد الرحمن بن عديس البلوي الذي شارك في فتح مصر مع عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) واختط بها داراً ،. وكان أحد فرسان وشعراء بلي المعدودين بمصر .
كما شارك في فتح مصر عبد الله بن عديس البلوي ، أخو عبد الرحمن بن عديس ، واختط له أيضاً منزلاًفيها وشهد فتحها كذلك الصحابي أبو درة البلوي ، قال علي بن قديد : رأيت على باب داره هذه دار أبي دره البلوي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو رمثة ( بكسر أوله وسكون الميم ) البلوي ،
قال الترمذي له صحبه سكن مصر ، ومات بإفريقيه مجاهداً ، وقد كانت وصيته عند موته بأن يسووا قبره .
كذلك شارك أبو مليكة البلوي في فتح مصر .
أما مرثد بن عبعب بن عتيك البلوي ، فقد شارك في موقعة القادسية الحاسمه مع الفرس ، ثم شهد فتح مصر مع عمروا بن العاص ( رضي الله عنه ) وممن شارك في فتح مصر الصحابي أبو زمعه البلوي والذي أوصى أيضاًحين حضرته الوفاه بإفريقيه بأن لايشهروا قبره ويسووه بالأرض ، وشارك كذلك في فتح مصر حيان بن كرز البلوي ، وأبو الشموس البلوي ، وأبو الزعراء البلوي
(
وقد ذكر تصحيفاً في بعض كتب التراجم أبو الزهراء ) وعلسة بن عدي البلوي ، وعلقمة بن رمثه البلوي ، وعبس بن ثعلبة بن هلال بن عنبس البلوي ، وياسر أبو الربداء البلوي ، مولى الربداء بنت عمرو بن عماره بن عطيه البلوية ، كان عبداً للربداء فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يرعى غنم مولاته ، وله فيها شاتان فاستسقاه النبي صلى الله عليه وسلم فحلب له شاتيه ثم أراح وقد احفلتا فأخبر مولاته ، فأعتقته فاكتنى بأبي الربداء .
أماالصحابي مسعود بن الأسود البلوي فقد شهد فتح مصر واستأذن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) في المسير إلى افريقيه لإعلاء كلمة لا إله إلا الله ، فلم يأذن له الفاروق ( رضي الله عنه ) رأفة بالمسلمين وخوفاً عليهم فقال له : إفريقيه غادره ومغدور بها .
وممن شهد فتح مصر الصحابي جبارة بن زرارة البلوي وكان الصحابي شريك بن عبدة بن مغيث البلوي ( شريك بن السمحاء )والذي كان أحد الأمراء في الشام في خلافة الصديق ( رضي الله عنه ) وهو رسول الفاروق ( رضي الله عنه ) إلى عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) حين أذن له أن يتوجه إلى فتح مصر .
ويعتبر الصحابي رويفع بن ثابت البلوي الأنصاري من الصحابة الذين أسندت إليهم قيادة الفتح في إفريقيه في عهد معاوية بن أبي سفيان ( رضي الله عنه ) ، فكان ممن شارك في فتح مصر ، واختط بها داراً، فأمره معاويه على طرابلس سنة ( 47هـ/ 667م) فغزا منها إفريقية سنة 47هـ ودخلها وانصرف من عامه وذلك في المرحلة التي يطلق عليها المؤرخون مرحلة الغارات ( 21ـ49 هـ /641ـ م ) إذ كانت الفتوحات تنطلق من مصر وبرقة وطرابس باتجاه إفريقيه ثم تعود إلى مقرها .
وقد اختلف في مكان موت هذا الصحابي فبعضهم قال باشام والبعض الآخر قال مات ببرقة وقبره بها.
ويعتبر الصحابي زهير بن قيس البلوي أشهر أبناء هذه القبيلة الذين شاركوا في فتح شمالي افريقية فقد كان أبو شداد قد شارك في فتح مصر مع الصحابي عمرو بن العاص ، وكان ( رضي الله عنه ) من كبار مستشاري قادة فتح المغرب قبل أن يتولى القيادة العامة في تلك المناطق ، فقد كان خليفة لعقبة بن نافع على القيروان ، عندما سار مسيرته المشهورة (62/63هـ/683ـ 684م) حتى وصل إلى بحر الظلمات ( المحيط الأطلسي ) والذي أوصى خليفته على القيروان زهير بن قيس البلوي بوصية تتدفق إيماناً وحرصاً على المسلمين والتي جاء فيها: ” إني قد بعت نفسي من الله عز وجل فلا أزال اجاهد من كفر بالله… يا بني أوصيكم بثلاث خصال فاحفظوها ولا تضيعوها, إياكم ان تملأوا صدوركم بالشعر وتتركوا القرآن, فإن القرآن دليل الله عز وجل, وخذوا من كلام العرب مايهتدي به اللبيب, ويدلكم على مكارم الأخلاق ثم انتهوا عما وراءه, وأوصيكم ألا تداينوا ولو لبستم العباء, فإن الدين ذل بالنهار وهم بالليل, فدعوه تسلم لكم اقداركم وأعراضكم وتبقى لكم الحرمة في الناس ما بقيتم, ولا تقبلوا العلم من المغرورين المرخصين فيجهلونكم دين الله, ويفرقوا بينكم وبين الله تعالى , ولا تأخذوا دينكم إلا من أهل الورع والاحتياط فهو أسلم لكم ومن احتاط سلم ونجا فيمن نجا” ثم قال: ” عليكم سلام الله وأراكم الا ترونني بعد يومكم هذا … اللهم تقبل نفسي في رضاك واجعل الجهاد رحمتي ودار كرامتي عندك”.
ثم أوصى زهير بإتمام الإصلاح الذي شرع فيه في القيروان من تعبيد الطرق وتأمين السبل وإقامة المساجد وتفقيه الدهماء, وتقليد الأعمال لذوي البصائر والاستقامة والاستعانة بخبرة المجربين منهم.
بهذه الوصية الضافية ودع عقبة بن نافع الصحابي زهير بن قيس البلوي, ليبدأ دور ابو شداد في إدارة بلاد المغرب, لقد سقط عقبة بن نافع شهيداًعلى يد البربر بزعامة كسيلة بن ملزم الأوروبي في أواخر 63هـ / 684م وتوجه كسيلة بن ملزم إلى مدينة القيروان لانتزاعها من المسلمين والتي كانت فيها حامية بقيادة زهير تقدر بستة الآف مقاتل, وهنا انقسمت آراء المسلمين: قسم تزعمه زهير ويقضي بالمقاومة حتى آخر رجل لأن الشهادة مكسب وفوز للمؤمن ولهم في عقبة وصحبه اسوة حسنة فقد خطب زهير الناس فقال: يا معشر المسلمين إن اصحابكم قد دخلوا الجنة, وقد من الله عليهم بالشهادة فاسلكوا سبيلهم يفتح الله لكم دون ذلك.
أما القسم الآخر والذي تزعمه التابعي حنش الصنعاني فكان يرى بأن العودة بهذه العصبة مكسباً فقال حنش الصنعاني: ” لا والله, مانقبل قولك,ولا لك علينا ولاية, ولا عمل أفضل من النجاة بهذه العصابة من المسلمين إلى مشرقهم” ثم قال:” يا معشر المسلمين: من أراد منكم القفول إلى مشرفه فليتبعني” فاتبعه الناس. ولم يبق مع زهير إلا عدد قليل فاتجه إلى برقة وبقي فيها مرابطاً في سبيل الله حتى جاءه المدد من الدولة الأموية.
وبعد انسحاب المسلمين من المغرب الأدنى وعاصمته مدينة القيروان دخل كسيلة بن ملزم مدينة القيروان لتبقى ترزح تحت الاحتلال حتى تمكن زهير بن قيس البلوي من تحريرها والثأر لعقبة بن نافع.
لقد انشغلت الدولة الأموية في مشاكلها الداخلية التي حالت دون ارسال نجدة عاجلة لزهير لاستعادة القيروان وتأديب البربر والروم الذين قتلوا عقبة بن نافع, ولنا أن نتصور حجم المشاكل الداخلية في الدولة الأموية أنه في عام ( 68هـ/ 687م) حج أربعة ألوية ، لواء مع الخوارج بزعامة نجدة الحروري ، ولواء محمد بن الحنفية وداعيتة المختار ابن عبيد ، ولواء لعبد الله بن الزبير ، ولواء لعبد الملك بن مروان ، فضلاً انه ثار في هذا الوقت عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق ، وثار الجراجمة في لبنان .
وكان قبل هذه الحوادث أي في الوقت الذي سقطت فيه القيروان ( 64هـ /684م) قد مات يزيد بن معاوية ، ثم جاء مروان بن الحكم ، وتوفي بعد تسعة أشهر ، فجاء بعده عبد الملك ليواجة الثورات العاتية السابقة .
ورغم كل هذه التحديات نجد عبد الملك يعطي للمغرب أولية خاصة فاستشار وزراءه ، فاجتمع رأيهم على تقديم زهير بن قيس البلوي ، باعتبار صاحب عقبة ، وأعلم الناس وأخبرهم بسيرته وتدبيره وأولاهم بطلب دمه ، فأرسل في عام ( 69هـ /688م ) رسولاً لزهير يخبره باختباره والياً على افريقية ، وان عليه استنفاذ القيروان وإعادة النظام للمغرب ، فسر زهير بهذا النبأ لأنه سيتيح له فرصة الجهاد في سبيل الله ، والثأر لقتلى المسلمين لإعادة الهيبة للمسلمين في تلك المنطقة .
ولكن زهير القائد المجرب يعرف بأن المهمة صعبة ، وأن العدو لا يستهان به ، فأرسل للخليفة عبد الملك رسالة يوضح له كثرة الأعداء ، فأرسل عبد الملك إلى أشراف العرب ليحشوا إليه الناس إلى الجهاد ، واجتمع منهم خلق عظيم فأموهم أن يلحقوا بزهير .
فبعد أن وصلت الإمدادات واستكملت الاستعدادات توجه جيش زهير على بركة الله في عام ( 69هـ/688م) إلى مدينة القيروان لاستنفاذها من الأعداء .
وفور تلقي كسيلة بن ملزم زعيم قبيلة أوربه البرنسية أنباء تقدم الجيش الإسلامي بقيادة زهير نحو القيروان ، اجتمع بأركان حربه ليعرض عليهم المضع علماً بأن الجيش البربر كان عظيماً فقال كسيلة لقادته ” إني رأيت أن أرحل عن هذه المدينة ، فإن بها قوماً من المسلمين لهم علينا عهود ونحن إن أخذنا القتال معهم أن يكونو علينا ، ولكن ننزل على موضع ممش ( جنوبي شرق جبال الأوراس في الجزائر الحالية) وهي على الماء ، فإن عسكرنا خلق عظيم ، فإن هزمناهم إلى طرابلس قطعنا آثارهم فيكون لنا الغرب إلى آخر الدهر ، وإن هزمونا كان الجبل منا قريب فنتحصن به .
ولما علم زهير بخطة كسيلة وأنه اختار موقعاً حصيناًوبه ماء كثير ، لذا لم يدخل القيروان وعسكر في ظاهرها ثلاثة أيام حتى استراح هو ومن معه من أفراد جيشه وذلك استعداداً للمعركة الحاسمة والتي يتوقف عليها مستقبل الإسلام في المغرب .
ودارت رحى معركة ممس أو ممش مابين المسلمين بقيادة زهير بن قيس البلوي وبين البربر والروم بزعامة كسيلة بن ملزم ، واستحر القتل بين الجانبين ، ودارت الدائره في نهاية المطاف على البربر وحلفائهم الروم وسقط كسيلة قتيلاً في المعركة ، وطارد المسلمون فلول المنهزمين لتعود للإسلام هيبته في المغرب ، ويقضي على آمال الروم في العودة إلى المغرب تحت غطاء التحالف مع البربر ، كما أن كسر شوكة البربر البرانس بقيادة كسيلة خاتمة لمقاومة هذه القبائل للجيوش الإسلامية الفاتحة . وقد علق السلاوي على موقعة ممس بقوله:” وفي هذه الواقعة ذل البربر وفنيت فرسانهم ورجالهم ،… واضمحل امر الفرنجة ،… وخاف لبربر من زهير والعرب خوفاً شديداً ، فلجأوا إلى القلاع والحصون ، وكسرت شوكة أوربة من بينهم ، واستقر جمهورهم بديار المغرب الأقصى وملكو مدينة وليلى ” .
فكان لهذا النصر أثر كبير في حركة الفتح في الشمال الأفريقي ، إذ بعد هذه الموقعة التي انتصر فيها زهير بن قيس البلوي أخذت المنطقة تتهيأ بأن تصبح إقليماًاسلامياً عرباً بعد سنيات قليلة .
وبعد هذه الموقعهة عاد زهير ظافراً إلى مدينة القيروان فأصلح من شأنها وشأن جامعها ، ثم أرسل حملة استولت على بلد هام شمال القيروان يعرف بالكاف أو الكف ويسميه العرب شقبنارية وهو تحريف لاسمه الرومي sicca.vane-rieً ولكن المصادر تؤكد لنا أنه أبي أن يقيم فيها ، وأنه قال : إني قدمت للجهاد ، وأخاف أن أميل إلى الدنيا فأهلك- ويعللون ذلك بقولهم بأن زهير كان من رؤساء العابدين وكبار الزاهدين ،لذا نجده يعود مسرعاً إلى برقة حيث استشهد هناك .
إن المتأمل للرواية السابقة يلاحظ بأن تعليلها لعدم إقامة زهير بالقيروان ، هو الخوف من
الفتنة ،ولأنه إنسان عابد زاهد تعليل غير مقبول ، فالقيروان ليست غريبة على زهير فقد كان خليفة عليها لعقبة بن نافع عندما خرج مجاهداً للبربر حتى وصل ا لمحيط الأطلسي ، ولم تحدثنا المصادر بأن زهير قد احتج على توليه على القيروان ، كما أن زهير كان مقيماً في مصر ذلك البلد العريق بمدنه منذ فترة مبكرة ولم تحدثنا المصادر بأنه كان متذمراً من الاقامة فيها ، ثم ما الفرق ما بين برقة والقيروان ؟ لابل أن القيروان مدينة محدثة (50-55هـ/670-674م ) بنيت على يد عقبة بن نافع وشارك في بنائها على ما يبدو زهير بن قيس فلا يوجد فيها إلامسلمون بينما برقة يوجد فيها أهل ذمة .
إذن ترك زهير للقيروان خوفاً من الفتنة سبب غير مقنع ، أما القول بأنه زاهد ويريد أن يبتعد عن الحواضر فهذا سبب غير معقول لأن القيروان كانت ثغراً وكان الزهاد والراغبون في الشهادة يقيمون في الثغور ، فلا يوجد مكان مناسب لزهير أفضل من القيروان لينال الأجر ، وهو يحرس في سبيل الله ، فينجو من النار ، ( عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) .
إذاً يبقى السؤال ما الذي جعل زهيرا لبلوي يعود مسرعاً إلى برقة بعد انتصاره في موقعة ممس؟
إننا لانجد تفسيراً منطقياً لهذه العودة السريعة سوى أن معلومات خطيرة وصلت إليه تحتم عليه الإسراع بالعودة ، وهذا ما حدث بالفعل إذ وصلت إليه أنباء مؤكدة بأن الروم يقومون بعمليلت إنزال لقوتهم في برقة ليستعدوها ، ويقطعوا على القوات الإسلامية بهذا طريق العودة ، وقد تحصن الروم في درنه وأخذوا ينقلون إلى سفنهم الأسلاب التي حصلوا عليها في افريقية وكذالك الأسرى الذين أخذوا من المسلمين .
لقد وصل زهير قرية درنة ، وكان قد أعطى أوامره لجيشه بأن يسيروا في وحدات صغيرة من أجل سرعة الحركة ، لقد كان زهير في طليعة الجيش الإسلامي المتجه إلى برقة مع سبعين من أصحابه ، فرأوا الروم يدخلون أسرى المسلمين في المراكب وسط صراخ النساء والأطفال ، فأراد زهير أن ينتظر حتى تتكامل قواته ، ولكن هول الموقف ورؤية حرائر المسلمين سبايا بأيدي الروم أثار حفيظة مع من زهير فدعوه للقتال ، فقال ننتظر حتى يتكامل الجيش لأن قوة العدو كبيرة ، فقال له أحد الجند : بل جبنت يا زهير ، فمست هذه الكلمة كبرياه الجهادية فرد عليه بل قتلتني وقتلت نفسك ، فدخل زهير مع الروم في معركة غير متكافئة كانت نتيجتها معروفة كما قال زهير للجندي ، فاستشهدوا عن بكرة أبيهم وكان ذلك في عام 71هـ /690م ، ودفن في درنة قريباً من الشاطىء الذي استشهد فيه وتسمى تلك المنطقة ( قبور الشهداء ).
أجل إن التاريخ يذكر لزهير بن قيس البلوي سجله الجهادي الطويل الذي توج بإ ستعادة القيروان وتحريرها من يد كسيلة بن ملزم ، وأنه ثأر لعقبة بن نافع وصحبه من كسيلة الذي قتل هو وعدد ضخم من فرسانه على يد زهير بن قيس البلوي في موقعة ممس أو ممش (69هـ /688م ) كما أن انتصاره في تلك الموقعة أفزع البربر والروم وجعلهم يلوذون بحصونهم خوفاً من المسلمين بمعنويات منهزمة ساعدت المسلمين فيما بعد على استكمال فتح المغرب وتحويله إلى ولاية عربية اسلامية، وأخيراً فإن زهير ضحى بنفسه وهى أغلى ما يملك من أجل عقيدته ،ومن أجل الدفاع عن حياض الدولة الإسلامية .
فرحم الله هذا البطل المجاهد الذي مات غريباً عن مسقط رأسه شاهداً على دور أبناء هذه القبيلة في نصرة الإسلام.
لقد ترتب على استشهاد زهير عدة نتائج, لعل من أبرزها أنه كان لمقتله على يد الروم أثر عظيم في سير الفتوحات الإسلامية إذ نبه المسلمين إلى خطر الروم وعدم الاطمئنان إليهم والتركيز على مدن الساحل التي يأتيها العون من بيزنطة, وإن مصرع زهير قد أثار ثائرة العرب المسلمين وحفزهم على مواصلة الفتوح للأخذ بثأره, فكما كان مقتل عقبة دافعاً لمهمة زهير في القضاء على مقاومة البربرالبرانس ممثلة في قبيلة اوربة وزعيمها كسيلة فقدكان مقتل زهير دافعا لمهمة حسان بن النعمان في القضاء على الروم الذين قضواعلى زهير ,ولهذا فإن استشهاد زهير لا يقل روعة عن استشهاد عقبة لأن نهايته برقة في نفر قليل لا يتجاوز السبعين من اصحابه حيث قتل ، وقد فعل مثل ما فعل عقبة عندما أمر الجيش بالذهاب إلى القيروان وبقي في نفر قليل من اصحابه حيث قتل على يد كسيلة, حيث ذهب عقبة ضحية لهذا التدبير كما ذهب زهير ضحية تدبيره أيضاً.
هكذا كانت نهاية زهير على يد الروم حيث ضحى بنفسه مجاهداً في سبيل الله بنية صادقة لا يرقى الشك إليها, ودليل حسن نيته وصدق سريرته مانسب إليه إذ يقول: إنما قدمت للجهاد ولم أقدم لحب الدنيا, لقد كانت مصيبة الخليفة في مقتل زهير كمصيبة المسلمين في مقتل عقبة.
ولم يكن زهير بن قيس البلوي خاتمة القادة في المغرب الذين ساهموا في رفع راية الإسلام هناك بل هناك قادة آخرون برزوا في فترات تاريخية مختلفة, ولعل من القادة الكبار الذين جددوا ذكرى زهير في المغرب, القائد حي بن مالك البلوي الذي لمع نجمه في عهد دولة الأغالبة ( 184- 296هـ/ 800- 909م ) وبالتحديد في عهد الأمير الأغلبي أبو الغرانيق محمد بن أحمد( 250-261هـ/864- 857 م), والذي ساهم في فتح مناطق الزاب.
أكتفي بهذه العجالة عن دور هذه القبيلة في الفتوحات الإسلامية, علماً بأن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث للمحاولة على الإجابة على بعض التساؤلات حول بعض القضايا وهي هل فعلاً لم تشارك قبيلة بلي في فتح الأجزاء الشرقية من الدولة الإسلامية, رغم وجود الإرشادات إلى استيطان بعض أبناء بلي الكوفة أمثال الصحابي كعب بن عجرة البلوي ومشاركة بعضهم في القادسية واليرموك. علماً أن هذه الدراسة ما هي إلا مدخل لدراسة هذه القبيلة وليس دراسة استقصائية والتي تحتاج إلى مزيد من الجهد والتأمل والتحليل لرسم صورة واضحة لدور هذه القبيلة العريقة في الحضارة العربية والإسلامية, ولعل هذه المحاولة تستنهض الهمم لمزيد من البحث.
——————————————————————————–
كتبه و نقله على الشبكة العنكبويتة / موسى بن ربيع البلوي – www.bluwe.com لا ينقل إلى أي موقع آخر الإ بعد الإشارة إلى مصدره