بحث من سيرة القائد العسكري اللواء علي خلقي باشا الشرايري البلوي..؟؟
إن الحديث عن علي خلقي الشرايري هو حديث عن شخصية وطنية ناضلت في سبيل وطنه وحماية عروبته ، ووقفة ضد الاستعمار أينما وجد في الوطن العربي ، ليس حباً في الحرب والقتال وإنما من أجل حرية الوطن والإنسانية ، فالحرية في مفهومة قيمة وهدف.
ولد علي خلقي في اربد عام 1878 في مغارة جده ، والولادة في المغارة معروفة في عقيدتنا وفي معتقدنا لها مكانة خاصة في حياتنا لعدة أسباب:
أنها تعطي فكرة ودلالة عن الحياة التي أتى إليها هذا المناضل الكبير وهي حياة أسرة فلاحية يولد لها هذا الابن في مغارة تفرح له ولا تدري ما الذي سيكونه هذا الطفل الذي يولد في هذه المغارة المتواضعة من أملاك جده.
أول صفاته الخلق الجميل ، فلقب ” خلقي ” ألحق باسمه في شبابه، لما تميز به من نبل وشهامة وإيثار، تجلت في خدمته العسكرية، والمعارك التي قادها في القوقاز وليبيا واليمن ، وهو بذلك يؤكد قدراته العسكرية وثبات جأشه .
كلما اشتد الوغى وحمي وطيس المعركة، التي قادته من أرض إلى أرض، فلم يتقاعس عنها مهما كانت نائية ومحاطة بالمخاوف. كانت اربد لا تزال ذات تربة خصبة زاخرة بالخيرات، وموطن الفلاحين المواظبين على فلاحة الأرض واستدرار مكنوناتها ، وكان سكن الكهوف شائعاً في القرن التاسع عشر، وهو نوع من الالتجاء إلى الأرض من قسوة الطقس وشظف العيش .
هذه الأسرة اقتضت أن يعمل علي خلقي الشرايري في نشأته مع والده في الزراعة بحكم البيئة والمجتمع والجو الاجتماعي الذي كان يعيشه والده لكن الغريب في هذا البداية البسيطة جداً لإربد التي لم يكن بها غير الكتاب ، ينزع هذا الطفل إلى التعليم ويشعر بعدم الارتياح إلى العمل في الزراعة ، لا لأنه يكره الزراعة بدليل أنه بعد أن تقاعد عاد إلى العمل في الزراعة ولكن لأن في نفسه طموحاً كبيراً للتعليم ورغبة جامحة لهذا التعليم لفهمه منذ صغره ووعيه إلى أن التعليم هو أساس التقدم والرقي وأن الدور الذي يتطلع إليه علي خلقي الشرايري لا يمكن أن يقوم به إلا أن يؤهل نفسه بالتعليم ،
فطلب من والده أن يذهب إلى المدرسة وعن طريق إقناع والدته لزوجها أو لوالده أرسله إلى مدرسة كانت تعرف باسم صاحبها “أبو الضباع” وهو من آل الخطيب الكرام كانت مدرسة متواضعة وهي كتاب ، بعد ذلك عرض على والده أن يذهب إلى المدرسة الرشيدية في دمشق ولكن والده لحاجته إليه لم يرغب في ذلك وحاول أن يمنعه من هذا ، لجأ إلى طرفة جميلة جداً لأنه ذكرها في مذكراته ، حيث أخذ بغلة عند والده كان يستعملها للحراثة والزراعة وغير ذلك وباعها في درعا في سوريا وذهب بثمنها إلى دمشق ودخل المدرسة الرشيدية ، غاب مدة الدراسة وعاد يحمل شهادة المتميز جداً من هذه المدرسة ، عندما عاد علي خلقي ، كان في نظر الناس الذي اخذ دابة والده وباعها ليتعلم ، فاصبح يتطلع إليه أهل اربد بنظرة احترام وتقدير لهذه الشخصية الفذة العصامية القوية ذات الموقف والرأي التي حققت ما تريد.
احضر لوالده مقابل ذلك شهادة تفوق وتميز من المدرسة ، عندها تحولت قناعة والده، وسعى إلى دعم ابنه بالذهاب إلى اسطنبول للالتحاق بالمدرسة العسكرية هناك ، وهي المدرسة الأفضل في الإمبراطورية العثمانية ، وأصبح علي تلميذاً في مدرسة الأستانة الحربية، وقد كان لتفوقه ولسماته الشخصية دورً كبير في تسهيل قبوله في هذه المدرسة ،
ففي العام 1902 م أنهى دراسته وتخرج برتبة ملازم ثاني في الجيش العثماني ، فلم يكتف بذلك، فرغبته بالمعرفة والتقدم دفعته، إلى الالتحاق بكلية المدفعية ليرفّع بعد التخرج منها إلى رتبة ملازم أول، وكان ذلك في العام 1905 م .
عرف علي الشرايري بالكفاءة العلمية والعسكرية ، وقد لفت انتباه قادته في الجيش، وحصل على تقارير أشادت بقدراته وكفاءته، مما سارع بترقيته حتى احتل مكانة متقدمة في الجيش ، فعين قائداً للسرية السابعة المدفعية في الفرقة (51) المتواجدة في منطقة الدردنيل ، ثم انتقل إلى القوقاز وتركستان من اجل الاشتراك في الحرب ضد الجيش الروسي ، واستطاع خلال الحرب الروسية من تحقيق انتصارات عديدة، دلت على شجاعته وقدراته العسكرية.
منحته قيادة الأركان وسام الشجاعة من المرتبة الأولى، ورفّعته إلى رتبة رئيس أول ، وفي عام 1906 م أصبح في قيادة المدفعية في الفرقة نفسها ، وشهدت تلك الفترة الكثير من التحولات السياسية والعسكرية، في مختلف المناطق التابعة للدولة العثمانية، وعلى حدودها المختلفة نتيجة لضعف بنية الدولة.
في نهايات العام 1907 م نقل الشرايري إلى قيادة الفرقة (14) المتمركزة في لبنان وسوريا والأردن ، وفي الفترة نفسها رفع إلى رتبة قائم مقام عسكري ، وقد لمس خلال وجوده في بلاد الشام الإرهاصات الأولى للتحرك ضد الوضع الراهن ، حيث كان له دور واضح في الجمعية العربية الفتاة المناهضة لسياسة التتريك، التي اخذ جماعة الاتحاد والترقي بإتباعها ، ولم تدم إقامته في سوريا، حيث نقل سنة 1908 م إلى اليمن للمشاركة في مواجهة الثورة العارمة هناك، التي أشرت على ضعف الدولة، ودخولها مرحلة التراجع السريع.
ساهم بالمفاوضات التي منحت الإمام يحيى سلطات حقيقية واسعة، ودعماً مالياً كبيراً.
وكانت القوات الايطالية قد بدأت بغزو ليبيا فأرسل علي خلقي الشرايري للمشاركة في الحرب ضد الجيوش الايطالية عام 1911 م ، لكن ضعف الدولة وتخلف نظمها العسكرية أدى إلى سقوط ليبيا في يد الايطاليين ، فعاد بعدها الشرايري إلى اسطنبول في العام 1913م.
التحاقه بالثورة العربية الكبرى :
أصبح علي الشرايري حاكماً عسكرياً لمنطقة مكة المكرمة ، وهناك التحق بالثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي ، واستطاع إقناع الجنود والضباط العرب في الحامية التركية بالوقوف إلى جانب جيش الثورة العربية ، وبذلك أعلن الولاء للشريف الحسين في قيادة الثورة ، وقد كان لعلي خلقي الشرايري دور بارزً في مجريات الأحداث والمعارك التي قادها العرب، لتحقيق انتصارات متتالية على القوات التركية حتى تم تحرير المنطقة العربية وصولاً إلى شمال مدينة حلب.
دور علي خلقي في الحكومات المحلية و تأسيس الامارة :
بعد خروج الملك فيصل من سوريا، عمد الشرايري بالتعاون مع أبناء الأردن إلى تشكيل حكومات الحكم المحلي ، مثل حكومة اربد التي ترأسها علي خلقي الشرايري، نظراً لخبرته ومكانته في الثورة وصحبته للملك فيصل الأول ، وعمل على تنظيم قوة عسكرية في شمال الأردن وأجزاء من جنوب سوريا ، وتم إقامة مؤتمر عام في أم قيس من أجل إنشاء هذه الحكومة المحلية التي ضمت وجهاء عشائر اربد ومحيطها وضمت أيضاً احمد مريود عن منطقتي الجولان وحوران ، في دلاله على التوجه القومي حتى لدى حكومات الحكم المحلي الأردنية ، لان علي خلقي كان يتطلع إلى تحرير البلاد العربية، من كل قوى الاستعمار والاستبداد.
وتعتبر هذه الحكومة ممهدة لقيام إمارة شرق الأردن، بقيادة الأمير عبد الله الأول ابن الحسين ، حيث نص أحد بنودها على تأسيس حكومة عربية وطنية مستقلة برئاسة أمير عربي هاشمي ، وقد تميزت علاقة الشرايري بالأمير عبد الله المؤسس بالحميمية القائمة على الود والتقدير.
زاره الأمير (الملك فيما بعد) في منزله في اربد عدة مرات ، وفي سنة 1923 م، دخل علي خلقي الشرايري حكومة حسن أبو الهدى، حيث أصبح ناظر المعارف واشترك في عدد من اللجان والمهام ذات التأثير في بناء الدولة.
كان علي خلقي الشرايري رجل دولة ، جمع بين العلم والخبرة العسكرية الاحترافية
وكان عروبي الانتماء أردني الولاء ، وقدم حياته كلها خدمة لبلده وأمته
وكان من ابرز رجالات جيل الرواد، الذين تركوا بصماتهم الذهبية
على مسيرة التحرر العربي، وبناء الدولة في ظروف
بالغة القسوة وغنية بالتحولات الكبيرة..
“ان هموم البلاد أكبر بكثير من همومنا الشخصية”
وترجع عشيرة الشرايري في الأردن الى قبيلة بلي القضاعية..
رحم الله اللواء علي خلقي الشرايري
واسكنه فسيح جناته..؟؟
ولكم تحيات
ماجد البلوي