ولد سنة 577 هـ ببلاد الشام و توفي 660 هـ .. عاش حياة الفقر والعوز … فأباه كان فقيراً يجوب الأسواق بحثاً عن عمل … وكان يساعده في ذلك وهو طفل صغير .. توفي أباه .. وأصبح بلا مأوى … جائع … عاطل …
فكان يبيت في أحدى زوايا المسجد ، نهره شيخ الحلقه … عندما رآه في حلقة طلبه العلم .. بملابسه الرثه … فبكى الطفل .. ولم ينقذه سوى شيخه العز بن عساكر … الذي وعده خيراً .. عندما يصبح في مرحله من العمر تسمح له بذلك ..!
هذا هو سلطان العلماء :
غادر بلاده ( الشام ) إحتجاجاً على خيانة السلطان الصالح إسماعيل … لإتفاقه مع ( الفرنجه ) بتنازله عن أرض إسلاميه ( الشقيف وصفد ) .. ونزل ( مصر ) معززاً مكرماً …
ـ رأس القضاء في مصر .. ونظر في الأمور القضائيه وما آل إليه نفوذ ( المماليك ) اللذين أصبحوا أمراء … متسلطين على رقاب الناس … ووجد بأنهم لا زالوا عبيداً أرقاء .. فحكم عليهم بأنهم من أملاك بيت مال المسلمين .. وإن أرادوا الحريه أي العتق .. فلا بد من بيعهم ( في الحراج ) !!!
وأبطل الشيخ عقودهم من زواج وطلاق ومعاملاتهم التجاريه .. حيث تعطلت مصالحهم ولحق بهم أذى كبير .. ورفعوا أمرهم إلى السلطان …
الذي طلب من الشيخ أن يتركهم وأمرهم ..!!
ماذا فعل الشيخ ؟؟
بكل هدوء ومن غير ضجه ، جمع أهل بيته ، وأعد الحمير لنقل أمتعته ، وسار راجلاً خلفهم .. متوجهاً إلى بلاد الشام … وفي نفسه غصه على السلطان في عدم مناصرته الحق !!
ولم يتعدى نصف ( مرحله ) من السفر … إذ لم يبقى في مصر رجل أو إمرأه وطفل وعالم وتاجر .. إلا ولحقوا به برجاء أن يعود لهم .. ولما بلغ السلطان ذلك ، فقالوا له : إذا ذهب العز بن عبد السلام فقد ذهب ملكك ..!!
ولحق به السلطان والأعيان ….!!
… وامتطى السلطان فرساً سريعه , ولحق بالشيخ .. وتلطف منه وقال له : ( لا تفارقنا , عد يا إمام واصنع ما بدا لك ) .. وعاد الشيخ , والناس يهللون من حوله وخلفه ..
ثم بدأ .. الحراج على الأمراء …
جمع السلطان كل الأمراء ( المماليك ) , وبدأ المزاد .. ورفع الثمن الشيخ , وامتنع البعض من المزايده , لإرتفاع السعر الذي نادى به الشيخ , مما جعل السلطان ان يزيد في السعر , ودفع الثمن .. وتم ( عتق ) هؤلاء الأمراء !!
وقبض الشيخ الثمن , ووزعه على اصحاب الحاجات وعلى طلبة العلم واهله !!
التآمر على قتل الشيخ …
نائب السلطان المملوكي .. الأمير .. لم يرضخ لفتوى الشيخ بشأنهم .. قائلاً : كيف يحرج علينا هذا الشيخ ونحن ملوك الأرض ؟ والله لأضربنه بسيفي … وذهب الى بيت الشيخ وطرق الباب .. فخرج ولد الشيخ , الذي اخبر والده بالأمر … الذي لم يجزع للأمر .. فخرج له , ووقع بصره على نائب السلطان … فيبست ( يد ) النائب .. وسقط السيف من يده .. فبكى النائب وسأله ’ ان يدعو له … ثم قال للشيخ … ماذا ستفعل بنا ؟ فقال له : انادي عليكم وابيعكم , ويحصل عتقكم بطريق شرعي ..!!!
عاش الشيخ حياه حافله باحداث هامه … كان الطفل ( الشيخ ) يسمع عن الأسطوره البطل صلاح الدين الأيوبي , ومعركة ( حطين ) الخالده , وفتح ( بيت المقدس ) .. وعاصر ايضاً انتصارات المسلمون في الأندلس , في معركة ( الزلاقه ) الخالده .. والتي ابلى بها المجاهدون ( المرابطين ) بلاءاً , سجله لهم التاريخ , بقيادة الأمير ( يوسف تاشفين ) الذي حضر وجيشه لمناصرة المسلمين في الأندلس !!!
وكان ( التتار ) ……. قد اصبحوا يقتربون من بلاد الإسلام … ويمرون ويبيدون من هم في طريقهم ….. !! وكان لابد من الإستعداد لهذا الخطر القادم ( التتار ) !!
وهنا وقفه .. لأجرأ فتوى شرعيه له :
وكانت فتوى ورأي شرعي وجرأه لقول الحق في حضرة السلطان .. وكانت رداً على ما عزم عليه السلطان بأن يأخذ اموال الناس لكي يدفع الضرر القادم على الأمه , اي لتجهيز الجيش !!
وهنا تصدى الشيخ وقال : اذا لم يبقى شيْ في بيت مال المسلمين , ثم انفقتم ما تتزينون به في بيوتكم وخيلكم ومراكبكم من الذهب والفضه , وتساويتم مع العامه في ( الملابس ) …. بحيث لم يبقى لديكم سوى الفرس … للفارس ليركبها , وعندها ان لم تكفي هذه الأموال فلا بأس من أموال العامه ..!!
وبهذه الفتوى والرأي .. لم يحتاج الأمر لجمع الأموال من العامه … للمجهود الحربي للمعركه القادمه مع التتار ..
ودخل المسلمون المعركه .. معركة ( عين جالوت ) وكان النصر المؤزر من عند الله .. ومن ثم ما أبلوا المسلمون بلائا حسنا فيها .. وهذه المعركه قد غيرت مجرى التاريخ ..
فرحمك الله رحمة واسعه .. يا سلطان العلماء ..!!!