قد حرصت الدولة الإسلامية على مر عصورها على الاستفادة من طاقات أبناء هذه القبيلة في الحقول العسكرية, والإدارية, والفضائية, والتعليمية, فأسندت للعديد منهم منذ تأسيس الدولة الإسلامية العديد من المناصب القيادية, إلا أن الغالب على هذه المناصب في البدايات الأولى هو الجانب العسكري, وهذا ليس مستغرباً لاشتهار أبناء هذه القبيلة بحب القتال فكانوا محل تقدير الامبراطورية البيزنطية, فكان كما تقدم زعيم العرب المتنصرة في مؤتة مالك بن رافلة البلوي, إلا انه بعد ان قامت الدولة الأموية في الأندلس نلاحظ بروز العديد من أبناء هذه القبيلة في العلوم المختلفة, فأسندت إليهم مناصب شرعية كالقضاء, والخطابة.. الخ.
إن أول إشارة لدينا عن أول منصب منحه الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل من أبناء هذه القبيلة هو مرتبة نقيب وذلك في بيعة العقبة الكبرى, وكان هذا المنصب من نصيب الصحابي الجليل مالك بن التيهان أبو الهيثم البلوي ( ت 21هـ/ 641م).
كما عينه المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ان استشهد عبد الله بن رواحة, خارصاً لخيبر فاستمر حتى انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى, فأراد أبو بكر الصديق( رضي الله عنه ) ان يستمر في عمله, ولكن ابو الهيثم رفض, فاحتج عليه الصديق بانه عمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو الهيثم البلوي: إني كنت إذا خرصت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت دعا لي, فتركه الصديق.
ويذكر ابن عبد البر ان الصحابي سواد بن غزية البلوي كان عامل الرسول صلى الله عليه وسلم على خيبر, فأتاه بتمر جنيب( نوع جيد من التمر) قد أخذ منه صاعاً بصاعين.
أما أبو عقيل البلوي ، عبد الرحمن بن عبد الله صاحب الصاع فتذكر لنا المصادر انه كان كاتباً، ويبدو انه كان يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاشارات لاتزيد على تذييل ترجمة بانه كان كاتباً ، والمرجع بأن جميع من كان يعرف القراءة والكتابة من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقومون بأعمال كتابية للرسول صلى الله عليه وسلم سواء كتابة القرآن ، أو الرسائل أو تعليم من لايعرف القراءة والكتابة في المدينة المنورة
.كذلك أسند المصطفى صلى الله عليه وسلم مهمة تعليم عضل والقارة الذين جاءوا مسلمين ، وطلبوا من يعلمهم تعاليم الإسلام ويفقههم بامور دينهم لمجموعه من الصحابة كان من بينهم اثنان من بلي هما الصحابيان عبد الله بن طارق البلوي ، ومغيث بن عبيد الله .
وفي غزوة الفتح كان الصحابي الجليل أبو بردة بن نيار واسمه هاني قائداً لاحدى فرق الجيش الإسلامي الذاهب لفتح مكة فقد كانت معه راية بني حارثة .
وكان الصحابي ثابت بن أرقم البلوي قائداً لاحدى السرايا التي بعثها المصطفى صلى الله عليه وسلم لنجد لتأديب القبائل المعادية لدولة الإسلام فاصيب ببعض الجراح .
كما أن هذا الصحابي كان على رأس وحدة الاستطلاع التي ارسلها خالد بن الوليد ( رضي الله عنه ) لجمع المعلومات عن طليحه ، ولكنة استشهد كما تقدم على يد ذلك المتنبىء .
وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل عاصم بن عدي البلوي ( رضي الله عنه ) (ت45هـ/665م) على أهل قباء والعاليه في السنه الثانيه للهجره اثناء مسيره لبدر لشيء بلغة عنهم ، وقد عده الرسول صلى الله عليه وسلم في البدرين وكان عاصم مع الصحابي مالك بن الدخشم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون أثناء غياب المصطفى صلى الله عليه وسلم في تبوك ، فقام بالمهمه مع صاحبه على أكمل وجه .
أما الصحابي شريك بن سحماء البلوي فكان محل ثقة الصديق والفاروق ( رضي الله عنهما) من بعده فقد كان رسول الخليفه الراشدي الأول إلى خالد بن الوليد بأن يتوجه من اليمامه إلى العراق ، كما كان رسول الفاروق (رضي الله عنه ) بأن يتوجه من الشام إلى مصر ، علماً بأن هذا الصحابي الجليل كان أحد القاده الذين ساهموا في فتح بلاد الشام .
ويبدوا أن الصحابي مسعود بن الاسود البلوي ، كان من القاده البارزين الذين استوطنوا مصر بعد فتحها ، وليس أدل على ذلك من أنه راسل عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يستاذنه في غزوة إلى افريقيه ، فلم يأذن له . ولا يكون الإستئذان في العادة للقيام بعمل عسكري إلا من قائد وهذا الذي يرجح أن الصحابي مسعود البلوي كان يحتل منصباً عسكرياً ما في الجيش الإسلامي في مصر .
وفي عهد الدوله الأموية تولى عدد من ابناء هذه القبيله قيادات عليا في الجيش الإسلامي ، فقد أمر معاوية ابن أبي سفيان ( رضي الله عنه) الصحابي رويفع بن ثابت البلوي على طرابلس سنة (46هـ /666م ) ، فغزا منها افريقيه سنة( 47هـ/667م ) كما تقدم .
ويعتبر القائد زهير بن قيس البلوي من أشهر الصحابه من هذه القبيله الذين تولوا افريقيه وقاموا باعمال بطوليه هناك جعلته محل إعجاب المسلمين والمؤرخين .
كما يعتبر القائد الكبير حيي بن مالك البلوي من القاده الذين تركوا بصمات واضحه على منطقه الزاب في عهد دولة الأغالبه .
ويجب ألا ننسى إشارات المصادر المتكرره إلى دور قبيلة بلي في المحافظة على امن الحجاج وقد انفردت بعض بطون بلي بهذه المهمه أمثال : بنو شادي ، وبنو عجيب ، التي كانت فيهم الإمارة .
ومن الشخصيات القيادية التي ظهرت في الاندلس في ظل الدولة الأموية عدي بن خزيمة البلوي، الذي أقطعه عبد الرحمن الداخل ( 138- 172هـ/ 755- 788 م) فحص البلوط ،وزهير بن مالك بن عدي بن خزيمة أبو كنانة ، أحد فقهاء الأندلس المشهورين على هذهب الإمام الأوزاعي ،وقد توفي قبل 250هـ/864 م
أمـا ابن خلدون البلوي ، أبو علي حسن فكان من الشخصيات الهامة في المغرب في مطلع القرن الخامس الهجري ، وليس أدل على ذلك من انتشار الفوضى والاضطراب عندما اغتيل في عام
407هـ/1016م فنهبت حوانيت صبرة والقيروان .
وقد تولى عدد ليس بقليل من ابناء بلي منصب القضاء في الأندس فترات تاريخية متعددة ، فمن هؤلاء القاضي فرج بن زهير بن مالك البلوي ، من أهل قرطبة ، يكنى أبا سعيد ، الذي كان حافظاً للفقه على مذهب الإمام مالك وأصحابه ، وقد كان قبل أن يتولى القضاء عاقداً للشروط ، مشاوراً في الأحكام ، ثم استقصى على كورة رية ، ووادي الحجارة في الأندلس .
ومنهم القاضي أبو البقاء خالد بن عيسى البلوي ، صاحب كتاب تاج المفرق تولى القضاء في فتورية في الأندلس من أعمال ولاية المرية حوالي عام (713هـ/1313م) ثم انتقل إلى القضاء ببرشانة، والده وجده قبله من كبار القضاه، إذ تولى والده قضاء فتورية وخطابتها وكافة أمورها أربعين سنة.
ومن الجدير بالذكر ان منصب القضاء من أهم الوظائف بالأندلس لا يشغله إلا كبار العلماء .
كما أهلت أبو البقاء مواهبه الأدبية ليكون كاتباً أيضاً فاستكتبهالسلطان أبو يحيى بن أبي زكريا الحفصي بتونس سنة 740هـ/1339م، كما احترف أبو البقاء البلوي التعليم فكان مدرساً بالاسكندرية مدة اقامته بمصر .
وقد نبغ العديد من القضة والعلماء من أسرة أبو البقاء منهم أخوه أبو بكر محمد بن عيسى البلوي ،
والقاضي أحمد ، وحفيده القاضي علي بن أحمد بن خالد ومنهم قاضي الجماعة بتونس محمد عبد الرحمن البلوي (ت729هـ/1380م) ، والقاضي الخطيب علي بن أحمد بن داود البلوي الغرناطي ، الذي ارتحل إلى تلمسان ثم إلى المشرق فراراً من سوء حالة الأندلس في تلك الحقبة .
أما أبو جعفر أحمد بن داود البلوي الوادي آشي الذي كان معاصراًللعالم الشهير لسان الدين ابن الخطيب ، فكانت له حظوة عند الحكام ، وكان يأمر وينهى إلا انه كان في غاية التواضع وقد أثنى عليه ابن الخطيب في كتابه ” أوصاف الناس في التواريخ والصلات ” ( مخطوط صفحتي 96ب- 97أ) بقولة : ” شيخ العمال المؤتمن على الجباية والمال ، المستوفي شروط الفضل على الكمال . تواضع ، رحمه الله ، مع العلو، ولبس شعار السكون والهدوء ، وبذل المجاملة للصديق والمسالمة للعدو، ولازم مجالس الملوك بحيث يضر وينفع ، ويحط ويرفع ، فما شاب الاساءة إحساناً ، ولا أعمل – في غير المشاركة – لساناً ، إلى غير ذلك من الأدب العطر النسيم ، السافر عن المحيا الوسيم ، واشتهر بالوفاء اشتهار ( دارين ) بطيبها ، و(إياد ) بخطيبها ، فكان حامل رايته ، ومحرز غايته ، ومضى لسبيله فقيداً أعم بفقد وخص ، وهاص أجنحة الحاجات وقص ، وله أدب يصيب شاكله الرمي بنباله ، ونظم تضحي المعاني قنائص حباله ) .
وغيرهم ممن سنعرض لتراجمهم من خلال الحديث عن دور قبيلة بلي في الحياة العلمية .
——————————————————————————–
كتبه و نقله على الشبكة العنكبويتة / موسى بن ربيع البلوي – www.bluwe.com لا ينقل إلى أي موقع آخر الإ بعد الإشارة إلى مصدره