قيادي كبير من طراز رفيع لا يعرف أنصاف الحلول، ولا لحن الحديث والقول، حياته سلسلة متواصلة من التحديات والقرارات الجريئة، ومسيرته العملية مليئة بالإبداعات والنجاحات الكبيرة، ابتعثته الخطوط السعودية إلى أرقى الجامعات الأمريكية لدراسة البكالوريس والماجستير في تخصص إدارة الأعمال، فعاد لها فارسًا متسلحًا بالعلم يحمل أفكارًا ورؤى تطويرية تطال قمم الجبال، وهمة وعزيمة صلبة واثقة لا تعرف التردد والمُحال.
صال وجال وتنقّل من موقع إلى موقع، ومن وظيفة إلى أخرى بين محطات الخطوط السعودية، بدءًا من عاصمة المملكة الرياض إلى آسيا وبريطانيا، ومن ثم أمريكا حتى عاد إلى المملكة بعد ربع قرن من العمل والكفاح المبدع لخدمة ضيوف السعودية في عددٍ من قارات العالم بكل مهنية واقتدار.
(خالد البلوي) الذي تقلّد أعلى المناصب القيادية في السعودية من مدير مناوب في محطة الرياض عام ١٩٨٥م إلى مدير إقليم الفلبين، وكوريا، وبروناي إلى مدير السعودية في بريطانيا وإيرلندا والدول الإسكندنافية، إلى مدير عام السعودية بأمريكا حتى عاد إلى موطن رأسه، وتم ترقيته على وظيفة مساعد المدير العام للمبيعات، واختتم مسيرته وحياته الوظيفية نائبًا للرئيس التنفيذي للشؤون التجارية وعضوًا فاعلًا في العديد من مجالس إدارات الشركات التجارية في المملكة.
رحلة كان الإبداع صداها والتطوير نهجها ومبتغاها وجودة الخدمة هدفها وشذاها، وهذا التاريخ الحافل بالمناصب القيادية لم يأتِ من فراغ، ولكنه كان ثمرة عمل احترافي دؤوب لايعرف الكلل والملل، ونظرة ثاقبة ورؤية بعيدة لا يعتريها خوف أو توتر أو وجل.
استطاع هذا القبطان الماهر ونتيجة لعلاقاته واتصالاته الواسعة، وذكائه الإداري، والتسويقي اللافت للنظر من إقناع المسؤولين في حكومة الفلبين بأن يقوم الرئيس الفلبيني (فيدل راموس) في عام ١٩٩٣ باستقبال إحدى رحلات السعودية القادمة إلى الفلبين في مواسم الأعياد والاحتفاء بركابها، وتهنئتهم بسلامة الوصول في رسالة رائعة للشعب الفلبيني والمقيمين على أراضيها تدل على عمق العلاقة بين الدولتين، وعلى احترام وتقدير الخطوط السعودية وخدماتها، وهذا حدث استثناني وغير اعتيادي، ويحدث لأول مرة في تاريخ السعودية وشرف وتكريم كبير لشركة طيران من أعلى سلطة في البلاد استحقته بامتياز.
ولأنه قيادي عاشق للهمم والقمم العالية شهدت فترة توليه لإدارة الخطوط السعودية في بريطانيا الكثير من الإنجازات التي لا تنسى والرعايات التي لاتُمحى من ذاكرة الإبداع والاحترافية التي تم بها تنفيذ المقترح الرائع لصاحب السمو الملكي الأمير (أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي اقترح أن تقوم الخطوط السعودية برعاية أهم سباقات الخيل العالمية التي كانت تُقام في لندن في أشهر حلبات الخيول الدولية.
وكانت المسابقة حدثًا فريدًا من نوعه في ذلك الزمن البعيد قبل مايزيد عن ربع قرن، وتحظى بتغطية إعلامية دولية كبيرة، ويحضرها شخصيات بارزة وملوك وأسر ملكية من جميع أنحاء العالم.
ويعود الفضل في نجاح تلك الرعاية المتميزة إلى الدعم السخي واللا محدود الذي قدّمه سمو الأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز -رحمه الله- من أجل أن تظهر السعودية بأبهى صورة كراعٍ دولي لحدث عالمي يملأ الأرض ضجيجًا.
وحين أتت لحظة تكريم الرعاة واستلام الكأس للجواد الفائز ، قام معالي سفير المملكة في بريطانيا ( غازي القصيبي -يرحمه الله-) بدعوة الأمير إلى صعود المنصة لاستلام التكريم نيابة عن السعودية كشخصية اعتبارية كبيرة لها وزنها والرجل الذي كان خلف كل هذه الأحداث والإنجازات، لكنه أبى واعتذر وقال (ياغازي ): إنه يومكم وأنتم الأحق بالظهور يكفيني أن أرى السعودية الناقل الوطني اليوم في المنصة تشرّف الوطن.
وتلاقت إرادة الأمير مع من التقطها وتلقاها وحولها باحترافية إلى حدث فريد ونصر كبير ينسب للوطن، هكذا يصنع الكبار الأنوار ويبثونها لفريقهم، ولا يبحثوا عنها ويحرقوا غيرهم من أجلها.
كما تمكن بذكائه المعهود وبعد نظره بالتنسيق مع المسؤولين في وزارة المالية والبنوك السعودية من شراء العقار الذي كانت السعودية تستخدمه وتدفع عنه إيجارًا سنويًّا عاليًّا في التكلفة في العاصمة البريطانية وتوفير مبالغ مالية كبيرة للسعودية كانت تدفعها قيمة تلك الإيجارات السنوية، وهي خطوة استثمارية بعيدة المدى استطاعت من خلالها السعودية أن تمتلك العقار، وتقلل التكاليف التي كانت تتحملها سنويًّا، وتحقق أرباحًا وعوائد كبيرة بعد ذلك نتيجة ارتفاع القيمة السوقية لهذا العقار تجاوزت الثلاثين مليون ريال.
ولأن فارسنا كان له في كل موقع موعد مع إنجاز جديد فقد تمكن خلال فترة عمله مديرًا عامًا للسعودية في أمريكا من إحداث نقلة حقيقية في التشغيل والأداء، واستطاع أن يرفع ويزيد الرحلات الجوية بين المملكة وأمريكا إلى ٢١ رحلة أسبوعية بعد أن كانت رحلتين أسبوعيًّا فقط.
كما أسس مركز اتصال لخدمة عملاء السعودية لأول مرة في تاريخ الخطوط السعودية يخدم جميع الولايات الأمريكية من خلال تطبيق مفهوم الخدمة الشاملة لراحة العميل؛ حيث يقوم موظفو مركز الاتصال الهاتفي للسعودية بالحجز وإصدار التذاكر، والرد على الاستفسارات لعملاء السعودية في آنٍ واحد من خلال نظام آلي تم بناؤه، وتطويره بأيدي أبناء السعودية يسمح لموظفي السعودية في أمريكا من العمل من منازلهم ومدنهم المتواجدين بها الأمر الذي جعل السعودية تكون قريبة من عملائها في كل مكان داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وإلغاء المفهوم التقليدي لمكاتب الحجز الذي كان ينحصر دوره في إجراء الحجوزات فقط دون إكمال عملية البيع.
وساهم هذا التوجه الاستراتيجي في رضا كبير من العملاء، وتسهيل حصولهم على الخدمة الشاملة باتصال واحد، وتقليص عدد الموظفين إلى مايزيد عن النصف مع تحسين كبير في الإنتاجية.
وكان له موعد مع إنجاز كبير يضاف إلى انجازاته المتعددة حينما عاد للوطن، وأصبح الرجل الأول للشئون التجارية في الخطوط السعودية، حيث قاد مع فريقه وزملائه في قطاعات السعودية المختلفة في عمل جماعي كبير يستفيد من كل الطاقات والخبرات، وتكامل واسع للجهود يحترم التخصص بعيدًا عن المركزية، وبدعم كبير من مدير عام الشركة في ذلك الوقت معالى المهندس صالح الجاسر وزير النقل الحالي سلسلة متواصلة من البرامج والخطط التسويقية، والتجارية الطموحة، والمدروسة التي ساهمت في التوسع في افتتاح لعدد من المحطات الدولية المهمة، وزيادة السعة المقعدية على شبكة الرحلات الداخلية والخارجية بشكل كبير تلبية للطلب المتنامي على رحلات السعودية، وتقديم خدمات جديدة ومتطورة ومنافسة للعملاء الكرام.
وأعطى ومنح الفرصة كاملة لبنات السعودية لتولى مهام ومسؤوليات أكبر في مجال التسويق والمبيعات، ومنحهم ثقة كاملة في الإشراف على كافة الترتيبات المتعلقة بافتتاح المحطات الجديدة، ونجحوا نجاحًا باهرًا في ذلك.
تحية لهذا القيادي الملهم الذي خدم وطنه وشركته، ورفع شأنها، واهتم بخدمة ضيوفها، وترك في كل موقع بصمات لاتنسى تحدثنا عن قائد فذ سيذكره تاريخ السعودية بمداد من فخر واعتزاز عمل بكل إخلاص، وتلقى الدعم والتقدير والمساندة من جميع الإدارات، ومن كافة مدراء السعودية الذين عمل معهم، ونفذ توجيهاتهم، ونال ثقتهم، وكان محط نظرهم وثنائهم.
هكذا هم أبناء السعودية دومًا وأبدًا هامتهم وأحلامهم وأعمالهم، وانجازاتهم عالية كجبل طويق.
مشاركة : حسن عطا الله العمري