ان سقوط صنعاء في يد جماعة التمرد الحوثي لم يكن بسبب قدراتهم التنظيمية العالية، ولا بسبب امكاناتهم العسكرية والقيادية، وإنما سقوط صنعاء تم بمساعدة من الداخل، عندما لم يراع بعض القيادات الحزبية عهودهم والتزاماتهم الوطنية، وغلبوا عليها مصالحهم الشخصية الضيقة، فأهانوا كبرياء وشموخ صنعاء وكرامتها، عندما عبث الصبيان الصغار بمحتويات الأمن القومي اليمني وفرضوا حلولا في غفلة من الوقت.
ويضيف السياسي اليمني ان ايران حاولت منذ عام 1997 دعم التمرد الحوثي للانقلاب على الزيدية التقليدية، وانشاء نواة لفكرة ولاية الفقيه الايرانية ، والاستناد الى تراث وخطاب الثورة الايرانية لاستقطاب الضعفاء والفقراء، في بلد يبلغ فيه الفقر مداه وصولا الى ما نسبته 60%
التوازنات القلقة
ويؤشر السياسي اليمني الى أن فترة حكم علي عبدالله صالح كانت فترة التوازنات السياسية والقبلية المعقدة، والتوازنات الخارجية الهشة، لكنها في المحصلة جعلت اليمن يعيش وضعا مستقرا الى حد ما ، لكنه استقرار غير حقيقي وغير تنموي ، في ظل زيادة عدد السكان ، وضعف البنى والهياكل الاقتصادية.
لذلك أصبحت القبائل والاحزاب تبحث عن ممول خارجي ، وأصبحت قوة التمويل مؤثرة في اتساع رقعة التأثير الداخلي، وفي اخفاء القيادات والرمزيات التقليدية في اليمن.
وجاءت أحداث ما يسمى الربيع العربي ، واستعجال اخوان اليمن فرض حلول معينة تضمن لهم السلطة بلا منازع، وكان لا بد من تغيير خريطة التحالفات، واقصاء الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي صمم خلال ثلاثين عاما بيروقراطية تابعة له في مختلف المجالات، وكون دولة موازية من التحالفات السرية، التي كان يحكم من خلالها اليمن.
خروج علي صالح، كان بعد خروج اليمنيين الى الشارع ، وركوب الموجة من قبل الإصلاحيين ومن قبل الجنوبيين ، وبعض الحوثيين الذين نزلوا الشارع ليس لتغيير تحالفاتهم مع الرئيس اليمني وإنما للسيطرة على الشارع أو المشاركة المؤثرة في المستقبل السياسي للسلطة في اليمن.
وقد التقت الاستخبارات الايرانية بثلاثة من القيادات الحوثية، وتم تصميم خطة مرحلية لفرض الخيارات الحوثية في اقليم شبه مستقل واطلاله على البحر الاحمر ، مع دعم للقوى الانفصالية في عدن ، والاشتباك الامني بالحدود السعودية ، عن طريق استقدام عدد كبير من الافارقة والاثيوبيين ، مقابل مبالغ مالية هزيلة وتجنيد بعضهم لصالح الاستخبارات الايرانية كأدوات تخريب وتجسس ، ونقل المخدرات والسلاح وحبوب الكبتاجون من مصانع حزب الله في جنوب لبنان وفي سوريا.
غير ان الحزم الامني السعودي ، وقرار وزارة الداخلية ووزارة العمل بترحيل المخالفين لقوانين الاقامة كان قرارا استراتيجيا بامتياز ، أضعف أدوات الضغط الايراني والحوثي ، وأصبحت صعدة وبعض المحافظات القريبة منها مستودعا قابلا للانفجار ، غير ان الاستخبارات الايرانية والضليعة في أعمال الاستخدام والتوظيف قد دعت الحوثيين للاستفادة من المتسللين واستخدامهم كأدوات حرب وقنابل متفجرة وعلى نظام السخرة.
الهروب إلى الداخل
كما ان سيطرة السعودية على حدودها الدولية والبحرية على الخصوص ، كشفت عن شكل الجهد الايراني المبذول ، وتم وبالتنسيق مع الاستخبارات العسكرية اليمنية إبطال عمليات تهريب سلاح ايرانية الى اليمن، وتهريب المخدرات والعملات المزورة.
وأصبح الحوثيون يواجهون مخاطر وصعوبات عديدة تمثلت في شح المصادر المالية ، وايضا شح السلاح ، وكان لابد من تحقيق استدارة عكسية لتوجهاتهم بعدما غادر علي صالح الحكم ، وبعدما ظهر ان الرئيس عبد ربه منصور هادئ كثيرا ولا يملك القدرة والسلطة الحقيقية لفرض الخيارات الرئيسة ومخرجات الحوار الوطني.
وبسبب تلك السياسات التي امتحنها الحوثيون مرارا، عبر سيطرتهم التدريجية على المحافظات، وبعد تقسيم اليمن لستة اقاليم، لم تناسب الحوثيين لرغبتهم في الحصول على منفذ بحري يصلهم بالمياه الدولية ويصلهم بايران.
كانت الخطة بترك الاشتباك مع قوات حرس الحدود والجيش السعودي ، والتوجه نحو الداخل ، وفقا لنظرية القضم التدريجي ، واتبعوا وسائل عديدة كالضغط بالقوة المسلحة، وبالإغراءات المالية الكبيرة ، ففتحت بعض المناطق المغلقة ، وسلمت بعضها.
وفي مناطق أخرى استجابوا للتفاهمات المشتركة، فاحدثوا بذلك واقعا جديدا ، في ظل تعاظم قوة تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، وتنسيقهم معها بعض الفترات، والاختلاف معهم في مناطق عديدة، خاصة بعدما انكشف الحوثيون بانهم جزء من مخطط فارسي لمحاصرة الأمن العربي الخليجي.
مؤامرة اقليمية
الدخول الى صنعاء كان نتيجة قراءات استخباراتية ايرانية وبعض السفارات الغربية التي تعاونت في تسهيل مهمة الحوثيين في صنعاء، اضافة الى الدور المشبوه للمبعوث الاممي جمال بنعمر اليساري السابق والقريب من الجنوبيين والايرانيين ، الذي لا يكن ودا لا للاخوان ولا للقبلية اليمنية ، باعتبارها جزءا من الماضي.
ولهذا كانت تصريحاته بتاريخ 18/9/2014 أثناء زيارته صعدة وبعد عودته منها بتاريخ 21/9/2014 بأن الحوثيين قبلوا التوقيع على وثيقة تفاهمات ستكون مخرجا وحلا للازمة التي تعيشها صنعاء.
الامر الذي دفع الرئاسة اليمنية للاسترخاء وبقية الاجهزة الامنية والعسكرية، ليفاجأ الرئيس بما لا تحمد عقباه من سقوط صنعاء وليفاجأ المتابعون بتصريحات بنعمر بأن ما حدث كان مؤامرة تغيب فيها الجيش والاجهزة الامنية عن المواجهة.
وأصبحت نظرية فرض الحلول بالقوة مسألة واضحة واستعاد عبد الملك الحوثي ، طريقة حزب الله عندما استخدم سلاح المقاومة غير الموجهة لصدور اللبنانيين كأداة لفرض واقع سياسي جديد في لبنان، مازال يعاني لبنان آثاره حتى اليوم بفراغ رئاسي تجاوز 200 يوم.
وجاءت وثيقة الشراكة والسلم، التي تراجعت بموجبها الرئاسة اليمنية عن أسعار المشتقات النفطية، خطوة لكسب الشعبية من قبل الحوثيين ، ولذر الرماد في العيون من ان ثورة الحوثيين ليست ايرانية وليست مذهبية، خاصة انهم يدركون ان قوتهم ونسبتهم لا تؤهلهم لحكم اليمن لكن كانت خطتهم الرئيسة كسب الشعبية والمشروعية، وفرض واقع جديد من خلال التمدد الى الحديدة والسيطرة على الميناء، وهذا واحد من الاهداف الرئيسة لادامة اتصالهم بايران ولأن اليمنيين كقوى سياسية واجتماعية لم تستفق من الصدمة بعد. وكذلك المؤسسة الرسمية التي حاولت اظهار معالم هيبتها عبر ترشيح أحمد عوض بن مبارك رئيسا للوزراء ، خاصة ان ابن مبارك كان امينا عاما للحوار الوطني، وكان شخصا ذا علاقات محورية مع البعثات الدبلوماسية للدول الفاعلة في اليمن ، عدا كونه جنوبيا ، إلا ان إحدى خطط الحوثيين وحزب المؤتمر هي حرمان الجنوبيين من اية توافقات مع الرئاسة اليمنية لجعلهم أداة ضغط وعامل انفصال دائما بما يخدم المصالح الايرانية في اليمن.
الدعم اللوجستي
سقوط صنعاء لم يكن بقدرة الحوثيين أنفسهم وإنما كان بسبب الدعم اللوجستي الذي قدمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تمثل في انسحاب العسكر والاجهزة الامنية، وانخراط جموع حزب المؤتمر في الحشود الحوثية، واستغلال دخولها لتصفية حسابات داخلية مع حزب الاصلاح والاخوان المسلمين وآل الاحمر .
حيث كانت الخطة محكمة بالسيطرة على طريق المطار الدولي في صنعاء لمنعهم من الهرب، والسيطرة على البنوك ووزارة المالية للحيلولة دون تحويل اية اموال للخارج، علما بأن تحويلات كبيرة رصدت قبل دخول الحوثيين الى صنعاء ذهبت باتجاه الامارات وجلها ذهب الى تركيا التي ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية مع قياديي حزب الإصلاح اليمني.
خطابات الرئاسة اليمنية كانت تعكس قدرا كبيرا من ضعف السيطرة، اضافة الى ان رئاسة هادئ كانت مكشوفة الى الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي خطط لضربة شاملة ضد آل الاحمر والاخوان من جانب، وضربة ضد اللواء علي محسن الاحمر ، وأوقع الرئاسة اليمنية في حرج بالغ بعدما أصبحوا أسرى القصر الجمهوري سوى من اتصالات جانبية غير فاعلة.
فيما تصدر الموقف والمشهد جماعة الحوثيين وعبدالملك الحوثي الذي حاول تقليد شخصية حسن نصر الله في تحليله لما يجري مع اختلاف الظروف والامكنة والقدرات.
كما ان الرئيس السابق أراد خلط الاوراق وانهاء المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني بالضربة القاضية، مع اشاعة قدرته على حكم اليمن أفضل من أي رئيس آخر وقدرته على تحجيم قوة الحوثيين وحصرها في صعدة متى شاء وأراد ايصال اليمنيين الى انه ضرورة لأمن واستقرار ووحدة اليمن.
الموقف الخليجي
الموقف الخليجي مما يجري في اليمن لم يظهر بأنه يشكل هاجسا أمنيا كبيرا لهذه الدول، رغم التصريحات الايرانية المستفزة التي تؤكد ان سقوط صنعاء بيد الحوثيين هو انتصار للثورة الايرانية، وان ايران اليوم أصبحت دولة جارة للمملكة العربية السعودية.
ومع ذلك كان لدى هذه الدول طمأنينة خاصة، تفيد – وفقا لقراءات أمنية واستخباراتية استراتيجية – بأن جماعة التمرد الحوثي، ليس بمقدورها حكم اليمن أو الاستمرار في السيطرة على صنعاء، وان الاستعجال الايراني والتصريحات الايرانية لا تعكس حجم القوة والنفوذ الايراني في اليمن، بقدر ما يعكس حجم المرارة والخسائر الايرانية المنظورة في العراق وسوريا ورغبتها في استبدال صنعاء مكان دمشق أو المبادلة بها، خاصة ان ايران قدمت سرا لدول المنطقة الرئيسة موافقتها على حل سياسي في سوريا، باقامة حكومة بصلاحيات تنفيذية.
وأكدت أنها غير ملتزمة كثيرا ببقاء الاسد ، وان بامكان التوافق على رحيل الأسد، أو بقائه على رأس سلطة للاقليم العلوي، وهي اشارة الى موافقة ايران مبدئيا على تفتيت سوريا، واشارة الى وجود مخاوف ايرانية حقيقية من سقوط الاسد. ولهذا كانت تصريحات نائب وزير الخارجية الايراني بان سقوط الاسد يعني عدم حصول اسرائيل على الأمن والاستقرار ، وكأنه يؤكد أن الأمن والاستقرار الاسرائيلي مرتبطان بوجود الاسد، الأمر الذي يكشف كلية كذبة المقاومة وسلاح المقاومة.
تسليم صنعاء
ولعل قرار حزب الاصلاح الاخوان المسلمين بسحب قوتهم وأذرعهم العسكرية من صنعاء كان مساهمة غير مباشرة في فتح ابواب صنعاء أمام الحوثيين، إلا انه ايضا حال دون حدوث صدام مسلح وطائفي بين الطرفين، وهو – على ما يبدو – ما خطط له علي عبدالله صالح الرئيس اليمني السابق ، غير ان تراجعهم، واخلاء المكاتب والمعسكرات كانت خطوة تكتب للاصلاحيين الذين أرادوا ايضا تشويه صورة الحوثيين من جانب، والظهور بمظهر القوة العاقلة التي جنبت اليمن احتكاكا وحربا أهلية.
غير ان ايران – التي تبتهج فرحا بما يجري، والتي تؤكد قياداتها انها أصبحت مسيطرة على خمس عواصم عربية – تنظر بواقعية لهذه المتغيرات.
فداعش وجبهة النصرة أصبحتا شوكة في حلق حزب الله في سوريا وفي الساحة اللبنانية، وان خريطة التحالفات الجديدة التي دفعت بناصر الوحيشي في بيان لتنظيم القاعدة دعم دولة الخلافة الإسلامية، فان هذا يعني ان هناك بيئة وحاضنة اجتماعية قابلة لاستقبال الدواعش، في حرب مشتركة لما سموه المشروع الفارسي في اليمن، حيث اضطر تنظيم القاعدة للتدخل في ظل اختلاط الأوراق الجديدة لفرض وجوده العلني.
فاستخدام الحوثيين القوة ضد الدولة يكسب تنظيم القاعدة في اليمن مشروعية جديدة في امتلاك القوة والسلطة ايضا، حيث بدأت ملامح اشتباك دموي بين الطرفين، لكن من المرجح عمليا ان يقدم الحوثيون تنازلات للقاعدة لتجاوز هذه العقدة.
القبيلة والسلطة
غير ان تبدل التحالفات السياسية على هشاشتها، مازالت أسيرة أي تحركات قبلية في اليمن أو تحالفات قبلية بين الدولة والعسكر والقبيلة والقوى الوطنية، لبسط النفوذ والاستقرار ولتحجيم القاعدة والتمرد الحوثي وإضعاف فاعلية الدور الايراني، وتجنيب اليمن الفوضى والحرب الاهلية.
المطلوب خليجيا دعوة أهل الحل والعقد في اليمن على اختلاف تشكيلاتهم بما فيهم الاخوان والحوثيون، ومؤسسات الدولة اليمنية للخروج من المأزق، بمشروع وطني قابل للتنفيذ، وفقا لخريطة طريق تستند الى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني في اليمن، مع التأكيد على دعم الدولة اليمنية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
[divide]
علي البلوي
جريدة اليوم
http://www.alyaum.com/article/4020941