ألقاب من ورق… وشيوخ من دخان

1 تعليق 34 مشاهدات
A+A-
إعادة ضبط
الصفحة الرئيسية مقالات ألقاب من ورق… وشيوخ من دخان

ألقاب من ورق… وشيوخ من دخان

1 تعليق 34 مشاهدات
A+A-
إعادة ضبط

مشيخة الورق… حين يُرفع البعض على أكتاف الألقاب

في زمنٍ انقلبت فيه الموازين، لم يعد لقب “شيخ القبيلة” يحتاج إلى تاريخ، ولا إلى عقلٍ راجح، ولا حتى إلى احترام من قومه. كل ما يحتاجه الأمر اليوم، بعض الوجاهة المزيّفة، جلسة تصوير بعقال مشدود وثوب مُكوي ويشت مطرز بالقصب، وربما توقيع من جهةٍ ما تمنح صكوك المشيخة كما تُمنح شهادات الحضور في دورة تدريبية عن “القيادة الفعالة”.

صار “المستشيخ” يُولد في مجلس لا يعرف من المجالس إلا رائحة البخور. يتسلل اللقب إلى اسمه كأنما هو قدر مقدّس، لا يُسأل عنه، ولا يُراجع. فلا عقل راجح يُرجَع إليه، ولا سيرة تُروى، ولا موقف يرويه الشيبان بفخر على شبة النار.

القبيلة، التي كانت لا تُسلِّم أمرها إلا لمن عرفت رجولته قبل صوته، باتت تكتشف صباحًا أن لها شيخًا جديدًا، لم يسمع به أحد قبل أمس، إلا في مناسبة زفاف فاخرة أو في فيديو قصير يوزّع النفاق كما توزّع القهوة.

الشيخ الحقيقي لم يكن يومًا طالب وجاهة. لم يكن يلوّح باسم القبيلة ليمر من الحواجز، أو ليدخل أول الصفوف. كان يمشي خلف قومه، يُنصت، يُصلح، يسند الضعيف، ويردّ خطأ القوي دون أن يهينه. يحمل وجعهم ولا يتفاخر. يُسأل عند طلب المشورة، ويُلتفت إليه عند الشدائد، ويُفتقد حين يغيب.

أما اليوم، يُقدَّم “المستشيخ”في المناسبات قبل الضيف وكبار السن، ويُذكر اسمه أكثر من العَلَم، ويُنادى به في الإعلانات كأنه ماركة قبلية: “يرحب بكم الشيخ فلان بن فلان، شيخ قبيلة كذا وكذا…”، بينما لا يعرف أحد كيف أصبح هذا الفلان، الذي كان بالأمس يصفف شعره في المرآة، شيخًا على رجال لهم لحى من هيبة السنين، وظهور من ثقل المواقف.

ليست المشكلة في طموح الشخص، بل في قبول المجتمع لتضخيمه. حين يصبح الصمت عن الزيف مشاركة في تزوير الهوية، يصبح السكوت خيانة. والمشيخة القبلية ليست كرسياً في الصف الأول، بل امتحان مستمر على مدى العمر. رجلٌ يتقدم قومه لا لأنه يريد، بل لأنه يُحتاج. رجل يُنصَت له لأنه يَعرف،و يتوقد ذكاء وحكمه .

المشكلة ليست في ظهور الشيوخ المزيفين فقط، بل في من يصفق لهم، فيمن يزيّنهم بالألقاب، ويهديهم العصا قبل أن يتعلموا كيف يقفون بها. شيخ بلا تاريخ هو مجرد واجهة بلا جدار. والقبيلة التي ترفع من لا يستحق، ستسقط عند أول عاصفة، لأنها سلّمت أمرها لزيفٍ يتكئ على اسم لا على نَفَس.

فلتُرفَع العمامة عن رؤوس الورق، وتُنزَع من فوق من لا يستحقها. فالمشيخة لا تُمنح لمجرد الادعاء، ولا تُصبغ بلون العقال، بل تُسكب بالتجربة، وتُختبر بالمواقف. فليُترك المنبر لأهله، لمن يعرف متى يتكلم، ومتى يسكت، ومتى يتراجع ليعلو الأجدر.

والحمد لله أننا أدركنا هذا الانزلاق مبكرًا، ولم نترك للزيف فرصة التمدد. فوُضع الحد لهذا العبث بقرار حكيم من شيخنا، شيخ الشمل الشيخ سليمان بن محمد بن رفاده ـ حفظه الله ـ الذي وقف وقفة صدق، وأغلق الباب في وجه كل مُدّعٍ، وردّ الهيبة لأهلها.

بحزمه، انتهى عصر المتطفلين. وسُدَّت الثغرة التي حاول أن يتسلل منها كل من ظن أن المشيخة لقب يُشرى، لا مقام يُرتقى.

تنبيه مهم!!

في حال وجود أي ملاحظة على الموضوع الرجاء كتابة تعليق في الأسفل للإطلاع عليه

1 تعليق

افضل 19 أبريل، 2025 - 1:55 ص

مقالة رائعة شكرا لك

الرد

اترك تعليقًا

* باستخدام هذا النموذج فإنك توافق على تخزين بياناتك ومعالجتها بواسطة هذا الموقع.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الكاتب

موقع قبيلة بلي الرسمي، تأسس عام 2000، يُعد أول منصة إلكترونية تهتم بتوثيق تاريخ وحاضر قبيلة بلي. أسسه عبدالمنعم البلوي ليكون مرجعًا موثوقًا للباحثين والمهتمين بتاريخ القبيلة. يضم الموقع أرشيفًا غنيًا بالوثائق، والمقالات، والصور النادرة.

اختيارات المحررين

أحدث المقالات

جميع الحقوق محفوظة © لموقع قبيلة بلي الرسمي – تأسس عام 2000 

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
هل أنت متأكد من رغبتك في إلغاء الاشتراك؟

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. نفترض أنك موافق على ذلك، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا رغبت في ذلك. موافق اقرأ المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00