دخل الضيف بخطى واثقة إلى مجلس مضيّفه، العود الكمبودي يعبق في الأركان، والدلة تدور بين الأيادي. تربع في صدر المجلس كأي ضيف عربي أصيل، شرب ثلاثة فناجين من القهوة، تناول تمرة بهدوء، وكل ذلك تحت وابلٍ من الفلاشات، كأن زيارته حدثٌ تاريخي يُوثق.
لحظات ويغيب المضيف، ليعود مناديًا بصوته المهيب:
“تفضلوا على عشاكم.”
يقوم الضيف، يضبط شماغه، ويتبع الصوت إلى المقلط. وهناك…
كانت المفاجأة !!
في صدر المقلط: مفطح ضخم، مكتنز الشحم، يتوسط سفرة واسعة . خروف كامل مسجى فوق جبل من الرز، مرصع بالبيض المسلوق والمكسرات والزبيب وكل مالذ وطاب، في مشهد أقرب إلى لوحة فنية فخمة.
المضيف يقف بجانبه بفخر، ينظر إلى ضيفه ويقول: “تفضل، حياك الله… واعذرنا من القصور!”
لكن قبل أن تلامس يد الضيف الرز، انطلقت الهواتف من كل الزوايا.
لم يكن مجلسًا، بل استوديو تصوير.
“لحظة لحظة… خلك واقف، بنصورك وإنت توك داخل!”
“فلان! صور من الجنب، الإضاءة أحسن… عطنا بوز كذا، وخلك مبتسم!”
“استنوا شوي، خلي فلان يصور سنابه، بالله يافلان صور من الجنب على شان اشيل القصدير ولاتفوت لقطة تصاعد البخار وعطني خبر إن كنت جاهز !”
الضيف يبتسم بتوتر. يرفع المضيف غطاء الألومنيوم عن الخروف بحركة سينمائية، يتصاعد البخار في لقطة تصلح لإعلان مطعم خمس نجوم. تنهال الصور، ثم الفيديو، ثم التصوير البطيء للحظة كشف المفطح، وكأننا على منصة تتويج وليس في مجلس محترم.
تمر عشر دقائق… خمسة عشر… الخروف ما زال في مكانه، باردًا شيئًا فشيئًا، يذوب المجد وتبرد النكهة.
الضيف ينظر إلى المفطح بعين مترددة، يسأل في سره:
“هل أبدأ؟ أم لا يزال الخروف تحت الحصار الإعلامي؟”
ينقلب المشهد تدريجيًا إلى جلسة مونتاج. أحدهم يضيف فلتر “وضوح عالي”، وآخر يكتب على الصورة:
“يا زين الكرم وأهله! مفطح يشرح الصدر!”
أخيرًا، بعد كل هذه الحفلة البصرية، يُسمح للضيف أن يأكل. يمد يده بتردد، يأخذ أول لقمة باردة، ويبتسم وهو يقول في نفسه:
عندما يصبح المفطح نجمًا في حفلة تصوير، والضيف ممثلًا ثانويًا، فاعلم أن الكرم قد اختلط عليه الأمر.