أسامة نجاتي سدر – فلسطين :
لن تقع البنايات على رؤوس العمال إذا أضرب المهندس لأنه يضع المخططات ويسير عليها الفنيون, ولن يُظلم المتهم إذا أضرب المحامي لأن القانون يضمن له وجود من يدافع عنه، ولن تقف الحياة إذا أضرب السائقون عن العمل فقد يجد الناس البديل، وقد يموت مريض أو عدد من المرضى إذا أضرب طبيب عن العمل، أما إذا أضرب المعلم فرفعة الأمة ونهضة الوطن ومستقبل الأجيال في خطر.
يعلم من اختار التعليم جزءا من حياته أنها أكرم مهنة عند الله، مهنة الأنبياء والمرسلين، يُشرف من خلالها على حاضر الأمة ويقوّم الخلل فيه، ويتشكل المستقبل بين يديه لينا طيِّعا، بيده أن يساهم في نهضة العالم أو يقضي على أمل الشعوب بمستقبل أفضل، هو القدوة الأولى للأجيال الجديدة مرآة الثقافة والعلوم والدين والأخلاق، الشخصية التي اختارها المجتمع لتمثله أمام الجيل الجديد لتتعلم منها ولتنهل من صفاته ومميزاته أكثر من علمه وكلماته، يسمو على كل هموم الدنيا ومشاكلها ليقف في الصف وقفة ترنو لها عيون الأطفال بكل إعجاب وتقدير واحترام.
يستحق المعلم حياة كريمة ليس فيها قلق على لقمة العيش أو رعب من مستقبل مجهول، بل هي حق علينا للبراعم الصغيرة بين يديه؛ فمكانة المعلم هي مقياس لرقي الأمة وحرصها على مستقبلها ونهضتها، وكلما ازداد احترامنا له اقتربنا من قهر الجهل والتخلف والظلم؛ لأنه إن أبدع ارتقت الأمة بكل ما فيها، واستطعنا أن نرسم طريقا مستقيما نحو مستقبل ننعم فيه بالحرية والأمن والازدهار، وإن تاه فكره في الوصول إلى الحياة الكريمة أفلتت من أيادينا فرصة الرقي والتقدم، وسقط من مستقبل أبنائنا الإبداع والتفوق.
ترتبط مكانة المعلم بعطائه، وعطاءه لا يظهر مباشرة فهو يزرع بذورا في لب أبنائنا نحصدها بعد أن يتخرجوا من جامعاتهم أو يلمسونها طوال حياتهم، فتنعكس احتراما وعرفانا وتقديرا له، ويزداد فخرا إذ يرى طلابه يعمّرون الوطن ويرفعون أركانه ويقودون الأمة إلى المجد، ولا ينتظر من أحدٍ تكريما أو اعترافا بدوره، إلا أن المجتمع لم ولن يسامح المعلم على الإخفاق بمهمته أو التقصير فيها.
إضراب المعلم يسيء إلى المعلم في عيون الناس لأنهم يرونه رمز العطاء، ولا يليق به أن يتوقف مهما ازدادت الضغوطات عليه، أو ينظرون إليه كرمز للطبقة المتوسطة في المجتمع وأفضل من كثير من الطبقات الأخرى، أو يحصرون عطاءه بساعات دوامه وليس بفكره وأثره في الحاضر والمستقبل، وينسون أنه إنسان له متطلبات أساسية قد لا يكفي راتبه للحصول عليها وأخرى لا تعنيهم لكنها جزء من عمله وحياته يجب أن يوفرها ولو على حساب قوت عياله.
في كل مرة يعلن اتحاد المعلمين الإضراب احتجاجا على تصرفات الحكومة ينصاع له المعلمون بالسمع والطاعة، وبعضهم يعطي الحصص الدراسية لطلابه مع رفع اسمه في قائمة المضربين خشية من الله وحرصا على أبنائه، ولكنهم يجدون أنفسهم أحيانا في موقع هجوم من الإعلام المحلي والناس من حولهم، لأن الاتحاد لا يقوم بفعاليات احتجاجية غير الإضراب ولا يُشرك أولياء الأمور ومؤسسات المجتمع الوطني في فعالياته، بل لا يشرح أسباب الإضراب علانية إلا بعد تنفيذه، وتتهاون الحكومة مع إضراب المعلمين أكثر من غيرهم، ولا تلقي لهم بالا إلا إذا ضاع الكثير من الوقت على الطلاب وثارت ضجة حوله.
ارحموا المعلم من الإضراب فقيمته في المجتمع لا تحتمل النقد، ولا يستطيع أن يواجه النظرات من حوله متهمة إياه بالتقصير والرغبة في الهروب من المسؤولية، واحفظوا له مكانته في عيون أبنائه، فإن تزعزعت، بهمسة هنا أو كلمة هناك، لن تعود ببساطة، أبدعوا في وسائل الاحتجاج قبل الإضراب وذكّروا الناس والحكومة دائما بعطاء المعلم ووجوب تقديره واحترامه، وبحاله وشكواه ورغباته دون المس بحق الطالب في التعلم، واجعلوا مصلحة الطالب ونوعية التعليم جزءا من مطالبكم لتكسبوا تعاطف أولياء الأمور، ولترفعوا عن أنفسكم صفة الأنانية وحب الذات على حساب المصلحة العامة.
ارحموا المعلم من الإضراب !!!
اترك تعليقا