صنافير وتيران جزيرتان سعوديتان
التراث البحري وثقافة البادية في شمال غرب المملكة شارك سكان البادية الصيادين وهاموا بالبحر عشقا لا يضاهيه عشق, رغم أن العادات والتقاليد البدوية لا تفضل ركوب البحر لغير الأسفار, لكن نظرة هؤلاء الرجال المتزنة في طلب الرزق التي فتحها الله لهم من جميع أبوابه, جعلتهم يكسرون العادة, ويركبون البحر, ويبحرون في تجارب تركوها لنا في دواوينهم الشعرية.
الشاعر عطية المعيقلي بدوي جمع بين مهنتي رعي الإبل, كمالك لها, وممارس لعادات أجداده في البادية, وبحَار كعاشق لدخول البحر ومقارعة أهواله, فرافق الصيادين في بداية رحلاتهم, حتى برع في التخاطب مع البحر, وعُرف بينهم بمقدرته الفائقة بالمشاركة والصيد والخروج من البحر بالرزق الوفير, حتى ملك مركبا شخصيا.
وصل يوما للساحل باكرا في بداية مشاركته للصيادين على وعد البحَارة, برحلة صيد في عمق البحر, فوجدهم سبقوه. فعرف أن اللحاق بهم بات مستحيلا, فجاشت نفسه بغبنه عليهم فقال معبرا عن ارتفاع صوت البحار بالغناء وترديد الأهازيج الذي يؤنس كل من يسمعه:
أو حيك يا راعي الهوري تغني لك بقيفان
في طمة البيح تتمنى الغزال العنودي
ارتبطت الذاكرة الشعبية عند بحارة وصيادي سواحل وموانئ شمال غرب المملكة بالبحر الأحمر وشعبه وجزره, وبخاصة جزيرتي صنافير وتيران لدورهما الهام في الموروث الشعبي البحري والوطني.
صنافير وتيران: جزيرتان متجاورتان يفصلهما عن لسان الشيخ حميد بشمال غرب المملكة عدة كيلو مترات, وكانتا قديما مقصدا للصيادين والشعراء في شمال غرب المملكة, لارتباطهما بلسان رأس الشيخ حميد, وقربهما من ضبة والمويلح, وهدوء موجة, وجمال المكان, والشُعب المرجانية, فيجدون فيها متعتهم وبغيتهم في الاختلاء مع النفس, ما يعطي فكرة في العبور لهاتين الجزيرتين عبر الحيوانات التي كانت تستعمل لنقل ما تجلبه السفن كحمولات, ولأن مسافة المسطح المائي بينها وبين رأس الشيخ حميد ليس عميقا, يجعل عبور الحيوانات منها سهلا, خصوصا أن الجزيرتين معروفتان في توقف السفن التجارية فيهما, في حال اشتدت العواصف.
يا راعي الهوري اللي من صنافر لين تيران
صيدك يعشي ضبا وأهل المويلح مع اعيانه
تطربني مع طلعة القمرا تغني بقيفان
في طمة البيح تتوجد على جالي ثمانه
يضطرب جو البحار حين تضربه العواصف, أو يظلم الأفق بالغبار, أو تمطر السماء ماء ثجاجا, فتتصافق السفن مع أمواجه, تجبر البحارة للالتجاء بأقرب يابسة من الجزر الموجودة حولها على أن تكون في الحدود الإقليمية لوطنهم, وتُعتبر المكان المنقذ لهؤلاء البحارة, فيستريحون فيها, ولجزيرتي تيران وصنافير دور في نفوس الصيادين والبحارة ورواد البحر في شمال غرب المملكة, ومما جاء به الموروث الشعبي, خروج بحار من ذهبان من جدة, قاصدا التجارة بأملج, فهبت عاصفة هوجاء, جعلت البحارة في دوامة لمدة طويلة, وجدوا أنفسهم بعد أن هدأت بين جزيرتي صنافير وتيران التي يفصلها عن المويلح 7 كلم فمكثوا بينهما مدة ثلاثة أشهر, وهي المدة لتي يضطرب فيها البحر, وعادوا بعدها لاستئناف تجارتهم البحرية لأملج, فكانت الجزيرتان منقذتين في محيطهم الإقليمي الوطني.
حين رابط الجيش السعودي في رأس الشيخ حميد, والذي يفصل جزيرتي تيران وصنافير عنه عدة كيلو مترات فقط , وكان من ضمن المرابطين الشاعر جبران بن عليان المعيقلي, وهو شاعر من سكان منطقة شمال غرب المملكة, التي ارتبطت سواحلها وجزرها بذاكرة سكانها ارتباطا وثقوه في أشعارهم, فنظم الشاعر قصيدة حماسية عبر فيها عن استبسال الجيش من أجل الوطن وخاصة جزيرتي صنافير وتيران.
قمت اتطرَا وليتني ما تطرَيت
واضيق واستاسع الياني تورَيت
أزعل ولو ما حدٍ مخطي عليَه
وا ونتي ما ونّها إلا سليمان
يوم إن كلٍ في محله وطربان
وحنا نناظر ما تعدى وما بان
مار استعزَي يا صنافر وتيران
بحماية الرشاش والمدفعية
العيد عيدناه في خطٍ أمامي
يا الله يا رب عليك الليامي
في حظ من صلى وزكَى وصامي
وهذي عادة اللي بسلك النظامي
يصبر على ما جاه بالعسكرية
مرابطين في دشام وخناديق
يالله يا رب عليك التوافيق
ما غير زفرات البحر الزواريق
تصفق علينا في خطرها تصافيق
في كل صبح وكل عصر وعشية
وحنا لهم ضدٍ على كل حالي
اليا آمرونا واستمرَ القتالي
العمر ماهو عند الابطال غالي
في حزةٍ تبين فيها الرجالي
يبيَن راع الطيبة والردية
ومن بعدها يا شيخ جينا بدارك
الله يخرج من مصايب نهارك
اللي توالي الليل تمشي أحجارك
يالله عسى من جاك بالمغفرية
سليمان: صديق الشاعر المرابط معه.
الشيخ: يقصد رأس الشيخ حميد.
إبان العدوان الثلاثي على مصر, يطمئن الشاعر جبران المعيقلي عودة الجزيرتين فيمايثبت حدوديتهما ووطنيتهما في النفوس, في قوله من اللسان ويقصد رأس الشيخ حميد الى البريق قرب العقبة ولما للجزيرتين من دور في الرحلات البحرية, ومرور البحارة والصيادين بها كجزء من الوطن, واستراحاتهم على أرضها, فهي كطفل ابتعد عن أمه قليلا, فانطوى ينتظرها, وتركت مكانه فارغا انتظارا لعودته, فهاضت روح الشاعر الفحل أشوقا لها في نفسه, ووضح أنها عائدة لا محالة لحضن الوطن كجزء من الموروث, بالذاكرة الشعبية في التراث البحري والوطني, لهاتين الجزيرتين, فالشاعر لن يتغنى إلا حبا بوطنه وأرضه:
يا ناشدن عنا بكل الحوالي
حنا بخير ولا علينا نقيصات
من اللسان إلى البريق الشمالي
وحنا على جال السواحل بقوات
قوات ترَث للعدو الهبالي
يمسي ويصبح من خطرهن بحسرات
رشاشنا منصوب بروس العوالي
مدافعٍ خمسة وعشرين زرفات
العين ترى العين مع كل جالي
ما بيننا غير البحر خمس خطوات
لابدنا من دوسهم بالرجالي
يعيش من يحيا ومرحوم من مات
لازم نصفيها غديرٍ زلالي
النصر قايم والبيارق سعودات
يشتاق البحار من أبناء البادية لربعه وأهله, ركب الشاعر رشيد المطرفي البحر حين وجد فيه رزقا عن شظف العيش, فصار بحارا لا يشق له غبار, يغيب في مواسم صيد اللؤلؤ لأشهر, ليعود يسابقه الشوق لمرابع دياره, ومواقع صباه, حين رأى جبل رال العظيم, في شرق الوجه وهو على متن سفينة في عرض البحر, وبعد غياب طويل, فهاضه الشوق وأظهر شجنه في قصيدة منها:
يا رال عسى الحيا وان جاك
يا اللي تلمْ الموديني
لا وهني من شرب من ماك
والقلب ماله شواطيني
يتأثر الشاعر بطبيعة البيئة من حوله فتأخذ صور مفرداته رسوما من طبيعة بيئته, وبفطرته التي وجد نفسه عليها. الشاعر ناصر محمد الفوال من سكان الوجه الحضري, ذكر في البيت التالي مواقع ارتبطت بالبحر كراس كركمة على ميناء أكرا الأثري ووادي هبان:
يا رب تروي كركمة ودروب هبّان
حتى الهرابة يصيبها من رشاشه
كركمة: راس كركمة وهو مينا أكرا كوما االأثري, قِدم منه قائد البطالمة الروماني في مصر يوليوس جالوس في سنة 24 قبل الميلاد لاحتلال الجزيرة العربية, وعاد منها منهزما كما جاء في كتاب المفكر والفيلسوف الروماني سترابون, في أنها أقصر مكان يفصل بين االساحلين الافريقي والآسيوي, تبعد عن ميناء الوجه حوالي 45 كيلو مترا على الساحل ويوجد خط قديم لمرور عربات الخيل, وقصر وآبار مبنية على الطراز الروماني.
هبان: بشد حرف الباء, وهو واد يصب في البحر الأحمر, وعند مصبه ميناء هبَان, الذي، وما زال موجودا, ويبعد عن الوجه على الساحل حوالي 15 كيلو مترا ومشهورا بغابات السدر.
الهرابة: موقع, سمي بالهرابة لأنه يشرب الماء الذي يصيبه من المطر بسرعة, ويقع بجانب وادي المياه شمالا.
للجزر والوديان والمواقع دور مهم في نفسية رواد البحر, من فئات تجار الموانئ, وصيادي السمك, وصيادي اللؤلؤ, أثرت عليهم نفسيا ومعنويا, فارتبطت الذاكرة بأهازيجهم, وفنونهم, وأشعارهم وممارساتهم الشعبية المختلفة, وعملت الشريحة التي تأتي من ثقافة أخرى كثقافة البادية وركبت البحر, مزيجا ثقافيا جميلا.